البحث النزيه والتنقيب بين الوثائق التاريخية. ولكن ارنست رنان أساء استعمال الخيال والعاطفة في تأليفه فلم تكن أحكامه نتائج بحث ولكنها تولدت في عقله قبل أن يشرع في البحث فحرقت من آرائه وقادته إلى طريق الضلال.
كانت نفسية رنان قريبة من نفسية الشعوب السامية وقد باشر صغيراً في درس اللغات السامية عندما كان يستعد للحياة الاكليركية في سان سولبيس وأول من علمه اللغة العربية مستشرق يدعى (لوهير) ولوهير على زعم رنان عالم بالعبقرية والسريانية ولكنه ضعيف بالعربية فلهذا السبب لم يتمكن رنان من حفظ أصول هذه اللغة وعند خروجه من سان سولبيس أكمل دراسة اللغة العربية على رينو في المكتبة الملوكية (المكتبة الوطنية) و (كوسان دي برسفال) مؤلف تاريخ العرب قبل الإسلام ودرس الفارسية على الأستاذ كاترمير المعروف بشراسة أخلاقه واللغات الهندية على الفيلسوف برنوف واهتم بالدروس الصينية تحت تأثير الأستاذ ستانيسلاس جوليان ورافق العالم الأثري الفرنسي مارييت باشا في أحدى رحلاته لمصر ليدرس معه اللغة والآثار المصرية. درس جميع هذه اللغات ولم يبرز في واحدة منها ولم يظهر كفاءة في مادة من مواد تلك اللغات. أقام سنة كاملة في سوريا (من تشرين الأول ١٨٦٠ إلى تشرين الأول ١٨٦١) لاكتشاف الآثار الفينيقية وقد فتش طويلاً في بيروت وصيدا وجبيل وعمشيت (حيث توفيت أخته هنرييت ودفنت) وطرطوس وأم العواميد عن الآثار فلم تأت رحلته الطويلة بفائدة علمية تذكر وقد أثبتت رحلات من عقبه من المستشرقين قلة اطلاعه وقد أطنب أصحاب رنان بذكر طول باعه في اللغة العبرية ولكن علماء اليوم هدموا كل ما بناه رنان بالأمس فيما يتعلق بالتاريخ الإسرائيلي وكل من درس اليوم كتب رنان يعرف تأثير شتروس وهرددر وكروزر وهيفل من كتاب الألمان في مذاهبه المبتكرة. وقد أظهر عداوة غريبة للعرب والإسلام، وحدث صهره جان بسكاري بأنه لما كان رنان صغيراً وضع قصائد عديدة مطلعها جميعها: اسحقوا الأتراك وأنكر على العرب علومهم وفلاسفتهم ونسب النهضة العربية في بغداد والأندلس إلى اليهود والروم.
وتحمس للشعر الجاهلي من دون أن يدرك معانيه وزعم أن الفرس ضحية العرب والإسلام مع أن الفرس متمسكون بالإسلام أكثر من العرب أنفسهم. أما سوريا فقد سحر برقة جبالها