وديانها ومياهها العذبة وحاول أن يسند إلى مناظرها الفتانة أسباب انتشار المسيحية في نواحيها بعد وفاة المسيح وبدأ يكتب حياة المسيح أثناء إقامته في سوريا ويظهر من كتبه إلى صديقه برتلو إنه لولا زيارته لسوريا لكان غير رأيه في الديانات السامية فسوريا مسؤولة إذاً عن روايات رنان وأحاديثه وأوهامه فالذنب كل الذنب على تلك البلاد الجميلة التعيسة!!
وإذا أردنا أن نحلل مذاهب رنان الاجتماعية نرى أن لرنان مذهباً واحداً هو الابتعاد عن كل المذاهب وقد قيل عن موقفه أمام المبادئ الفلسفية إنه أشبه بطفل في غرفة مملوءة بالدمى وضعت تحت تصرفه فينظر فيها ويجر بها ويلعب بها ويحطمها واحدة بعد الأخرى ولم يترك حين خروجه إلا قطعاً مختلفة الألوان فرنان نفسه لا يعرف إن كان أدبياً مبدعاً أو عالماً بحاثة أو فيلسوفاً اجتماعياً، ولسنا نعرف أكثر منه عن ذلك. عاش رنان حائراً متردداً متشككاً في آرائه ومعتقداته تتقاذفه الأديان تارة وطوراً تضله العلوم، عاش تائهاً حائراٍ لا يدرك ما يحويه الوجود من الظلمات، شك رنان لأنه كان يرى الحقيقة تتلألأ حيناً في كل مذهب من مذاهب الإنسان وحيناً يرى أن كل ما أبدعه الفكر البشري فاسد، ومن كان بهذه العقلية فلا يبارى في التناقض، فبعد أن رفع رنان العلم فوق الدين وبعد أن صرح بأن كل شيء يزول ما خلا العلم (العلم معناه الخلود) شك في حقيقة العلوم ومنفعتها وأنكر رنان وجود الله ونادى في ظروف أخرى بأن الله واحد أزلي خالق للبشر. وقضى رنان عمره في الدرس والمطالعة. قال شيخوخته أن لا فائدة من أعماله وبعد ذلك تمنى أن يعيش أعماراً عديدة ليطلع على كل العلوم. وقد حاول أن يطبق على جميع أبحاثه العلمية ميزان طبيعته المتقلبة السيارة فجاءت تلك الأبحاث كثيرة القلق كأنها مبنية على ماء.
عاش رنان منفرداً متعجرفاً معتقداً أنه نابغة كل الاعتقاد وكانت ساعة موته مناقضة لجميع أعماله وقد وصفها لنا جان بسيكاري إذ أغلق له عينيه للمرة الأخيرة.
قال: كان رنان مضطجعاً على فراشه في داره المجاورة لمعهد الكوليج دي فرانس كانت عيناه متجهتين نحو النافذة فخيل إليه أنه بين هياكل اليونان فصرخ قائلاً: ارفعوا الستار عن النافذة أريد أن أرى الشمس تضيء فوق معبدنا ولما اقترب منه الموت دعا جان بسيكارى إليه وقال له: اعرف أن آثاري ستزول بعد موتي وأني سأصبح شيئاً منسياً. أنا