ملازم من الجيش قائلاً كيكي مادو نم بسلام وافتخر بخدماتك لفرنسا وقد أتيت حراً متحمساً من قريتك البعيدة إلى هذه البلاد لكي تجيب نداء الوطن وقد قمت بواجبك وسيحفظ رفاقك منك تذكاراً خالداً
هكذا مات لفباسي المسكين ولم بعرف أحد حقيقة أمره.
أما الحكاية الثالثة فتجري أغلب حوادثها في دمشق وضواحيها لأنها تدور حول إحدى المومسات الإفرنجيات اللواتي أطلق عليهن الشرق اسم ارتيست وقد وصف لنا الأستاذ غولمييه، محل اللهو المعروف باولمبيا حيث يعرفنا بتلك الارتيست التي تدعى ايفيت وبسبب قدومها إلى سوريا. نشأت ايفيت في عائلة شريفة فقيرة فمات والدها وتركا لها أخاً صغيراً اسمه جان فاضطرت ايفيت لأن تتعاطى الفحش في سبيل تعليمه وتربيته. ولما شب جان تجند في سوريا عندما كانت الثورة الدرزية مشتعلة في دمشق والجهات وقتل في إحدى المواقع التي جرت في الغوطة بعد أن أوصى رفيقاً من رفاقه بالذهاب إلى مدينة بوردو في فرنسا لكي يخبر أخته بوفاته ولما سمعت ايفيت بهذا الخبر المؤلم أرادت أن تأتي بنفسها إلى سوريا لترى المحل الذي قتل فيه أخوها ودفن.
الجندية في المستعمرات أو البلاد البعيدة عن فرنسا لا توافق جميع الشبان وقد صرح بذلك المسيو غولميية مراراً في حكاية الأرتيست ولكن بعض الرجال خلقوا ليعيشوا في المهنة العسكرية ولا يصلحون لغيرها ولا للحياة خارج الجيش وهذه الحقيقة تظهر جلياً في القصة الرابعة والخامسة وهي كلها قصص محزنة قصها الأستاذ غولميية من غير أن يتحامل على الجندية كما ظن بعض الناقدين ولكنه أراد أن يضرب لنا أمثالاً عن نفسية الجنود في المستعمرات عامة وفي البلاد السورية خاصة. قال منهم من كان غليظاً سافلاً مثل المدعو اليازي ومنهم من كان جاهلاً وشجاعاً مثل الجندي كنس منهم من كان رقيق الشعور فيفسد الجيش أخلاقه في غالب الأحيان ويسبب هلاكه وتعسه في الحياة. وإنشاء الأستاذ غولميية بسيط ساذج بعيد عن التصنع وقد وصف بعض مناظر سوريا بدقة يستحق الثناء عليها.
أنور حاتم
النثر العربي في القرن الرابع للهجرة
الموضوع شائع ومعروف، غير أنه رغم شيوعه لم يطرقه أحد بصورة جدية ولم تتناوله