ونحن نطلق عليها اسم اللاشعور. وهذه كلمة نحن نترجمها بالحدس وغيرنا يستعمل في الدلالة على معناها كلمة الا كتناه أو غير ذلك من الألفاظ. وهذه أيضاً كلمة وكلمة وكلمة وكلمة تكاد تجد لكل منها في لغتنا الحديثة أكثر من أربع كلمات فهل يمكن التفاهم بين العلماء إذا بقى الحال على هذه الصورة. وإن وحدة اللغة تنشأ كما قلت عن وحدة الثقافة وأقول أيضاً إنه من الضروري توحيد اصطلاحات اللغة لتوحيد الثقافة. لا يمكن تأسيس العلم إلا إذا أثبتت الاصطلاحات العلمية. هل يمكن الثقة والأمان برياضي يستعمل في دساتيره (س) بدلاً من (ق) و (ق) بدلاً من (س) أو يستعمل الأول مرة والثاني مرة للدلالة على الحد نفسه. لقد تباحثنا مع الأستاذ المسيو لويس ماسينيون في ترجمة قولهم فاقترح أحدنا ترجمتها بامتحان الضمير واقترح آخر ترجمتها بمحاسبة النفس.
وربما كانت الترجمة الأخيرة أحسن من غيرها إلا أنك لا تستطيع أن توقف باب الاجتهاد في وجه المترجمين إذا بحثوا عن اصطلاح آخر ما دام الاصطلاح لم يثبت المعنى بعد. أن خير وسيلة لإيجاد الاصطلاحات في مباحث علم النفس هي الرجوع إلى كتب الصوفية ولكن أكثر الذين ينقلون كنب الفلسفة وعلى الأخص كتب علم النفس يجهلون الفلسفة العربية عامة وكتب الصوفية خاصة. ومن سوء الحظ أيضاً أن قسماً من كبيراً منهم لم يعرف أسرار اللغة العربية كما أن أكثر علماء اللغة لا يعرفون اللغات الأجنبية. فنخن حينما نترجم نفتش عن الألفاظ للدلالة على المعاني فلا نجدها. وكثيراً ما نكتب باللغة العربية ونفكر باللغة الإنكليزية أو الفرنسية أو الألمانية. فقد نلبس المعنى لفظاً مزيفاً لا يدل عليه أو يدل على غيره وقد نشتق لفظاً جديداً لا وجوداً له في لسان العرب وقد نبدل اصطلاحاتنا من غير أن ندري ويكاد يكون الإبداع في مباحثنا العلمية والفلسفية مقصوراً على تثبيت اللغة العلمية وتحديد اصطلاحاتها. وهذا أمر لابد منه لأن العلم لا يتم إلا إذا تحددت دلالات الألفاظ وقد قال (كوندياك) ليس العلم إلا لغة مرتبة. وعلى قدر كمال اللغة يكون كمال العلم.
إن اقتصار الإبداع في مباحثنا العلمية الأولى على تثبيت الاصطلاحات أمر ضروري ولابد لكل نهضة حديثة من المرور بدور الترجمة، هذا إذا أرادات أن توسع نطاق علومها حضارتها. والنقل في تاريخ الحضارة يسبق بالجملة الإبداع كما أن المعلم يسبق العالم.