للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والسبب في ذلك أن جهود المترجمين تتوزع بين المباني والمعاني فينصرفون إلى الألفاظ أكثر من انصرافهم إلى الأفكار وهذا أمر ضروري لا محيد عنه. إلا أن حركة الترجمة لا تزال بطيئة وهي في الغالب غير منظمة لأن كل كاتب يترجم ما يروق له ما هو ضروري لثقافتنا الحديثة. إن هناك كتباً ليس من شأن الأفراد أن يقدموا على ترجمتها. ولم توفق لجان الترجمة والتي تشكلت في بعض بلدان الشرق العربي إلى انتقاء أحسن الكتب، وحركتها لا تزال مشوشة. وربما كان توزع العمل بين مختلف الأقطار العربية وارتكازه في الغالب على جهود الأفراد، وعدم تنظيم الحركة الفكرية من الأسباب التي زادت التشويش والالتباس في الاصطلاحات العلمية. أن ترجمة الكتب في عصر الرشيد والمأمون كانت منظمة متمركزة، ولذلك كانت الاصطلاحات العلمية التي وفق إليها تراجمة ذلك العصر أقرب إلى الوحدة من الاصطلاحات التي اخترعناها الآن.

لقد كانت اللغة العربية في الماضي لغة ثقافية عظيمة وكانت كما قلنا خزانة العلم والفلسفة ومن السهل علينا أن نعيد لها هذه الصفة بنقل أصول الثقافة الحديثة إليها. إلا أنه من الواجب على المترجمين أن يتفقوا على الاصطلاحات العلمية ومن واجب المجلات أن تعمل على نشر هذه الاصطلاحات وتعميمها.

قال لي أحد المستشرقين مرة إن بعض علماء الغرب يعتقد أنه ليس بالإمكان تدريس الفلسفة باللغة العربية. قلت إن ذلك ممكن ودليل إمكانه حصوله. نعم إن النصوص الفلسفية لا يمكن تدرس باللغات الأجنبية ولكن ذلك أمر مؤقت لأن هذه النصوص يمكن أن تنقل إلى اللغة العربية وحينئذ تدرس بها كغيرها. فاللغة العربية الحديثة لا تصبح لغة ثقافية إلا إذا ترجمت إليها جميع أصول الثقافة الحديثة واهتدى المترجمون إلى الاصطلاحات الصحيحة وتوحدت اللغة العلمية في جميع بلدان الشرق العربي.

ويمكننا أن نذكر هنا بعض الأسباب التي أخرت هذه الوحدة.

١ - عدم استعمال اللفظ بمعنى واحد. أن المترجم نفسه لا يتقيد بالاصطلاحات التي استعملها فتجد للاصطلاح الواحد في كتابته معنيين أو ثلاثة.

٢ - عدم تثبيت دلالة اللفظ. إن الكاتب إذا لم يعرف لفظه فلا تخلو كتابته من الغموض والالتباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>