مبادئ لم تعد صالحة لتسيير حياة الأفراد في السبيل المرضية لاشك منته باضمحلال الديمقراطية واندثارها. ولذا تسير الديمقراطية الأمريكية في طريق التضامنية
إن هذا التبدل في مضمون الديمقراطية والانحراف عن مبادئها العامة المقررة والسير بها في سبيل جديد ليس هو كل ما يحدث حولها ويرمي لإصلاح شأنها وجعلها صالحة للقيام بمهمتها الرئيسية. بل هناك بحث ودرس عميق يتعلق بوظيفتها يرمي لإيجاد أفضل شكل ممكن تستطيع به الديمقراطية تأدية تلك المهمة. ولإيفاء هذه الناحية حقها من البحث ينبغي أن ننظر للديمقراطية من ناحية جديدة وأن نحلل مضمونها على مستوى أعمق من الأول فلا نقف عند مظهرها السياسي والاقتصادي كما مر معنا.
الديمقراطية في الأصل نظرة جديدة في الحياة والإنسان وطريقة مستحدثة لجعل علاقات الإنسان بأمثاله أكبر نفعاً وأعم فائدة لجميع الذين يساهمون في تلك العلاقات فقوامها إكبار شأن الفرد واعتباره غاية لذاته. ولذا منحته حقوقاً متنوعة ليتمكن من تنمية مواهبه وإرضاء رغباته ولم تكلفه للحصول عليها نزاعاً وعراكاً مع بيئته. نشأت الديمقراطية وترعرعت في جو الحكم المطلق والاستبداد الشامل فكانت رد فعل وثورة على الكرامة المهانة والحقوق المهضومة. فهي تشبه في منشئها الاشتراكية الحديثة التي خلقت في صفوف العمال في أوربا في القرن التاسع عشر بكونها رد فعل وثورة على النظم والأوضاع القائمة.
واستلزم ظفر الديمقراطية وضع نظام جديد يستطيع به الشعب ممارسة السلطة التي انتزعها. وقد أحدث النظام التمثيلي عامة والبرلماني خاصة لتحقيق هذه الغاية. وما هذا النظام التمثيلي كما هو معروف الآن إلا شكل من الأشكال التي يمكن أن يتخذها الحكم الديمقراطي. فليس هو بالشكل الوحيد ولعله ليس أفضلها. يرى المحدثون من أنصار الديمقراطية أن إخفاقها في تحقيق غاياتها العليا وهي توزيع أكبر مقدار من السعادة على أكبر عدد من الناس خلال أطول مدة من الزمن نتج بالدرجة الأولى عن عيوب ملازمة لهذا النظام الذي وضع لتخفيفها وإبرازها لحيز العمل. فإيفاد ممثلين لممارسة الحكم لا يرجعون لرأي الشعب إلا فيما ندر من الأحوال (وهذا في بعض الممالك فقط) لا يقول فيها أكثر من نعم أو لا لا يدل على ممارسة الشعب للحكم ممارسة فعلية كما يريد أنصار