الديمقراطية الصحيحة. ورأيهم أن النظام الديمقراطي في شكله الحاضر قائم على خطأ في إدراك وظيفة الديمقراطية الأصلية. ويرون أن هذا الخطأ منبعث من تسرب فكرة التضاعف القديمة التي اعتنقها الإنسان دهراً طويلاً ففرق الباطن عن الظاهر والروح عن الجسد والغاية عن الواسطة والنظري عن العملي والخ. والخطأ في النظام الحاضر يظهر لهم في التفريق بين الغاية الشيئية والعمل لإدراكها. فالأنموذج المتبع في هذا النظام الحاضر هو أن يضع الخبراء الغايات والأهداف ثم تؤخذ موافقة الشعب عليها.
يعترض المحدثون على هذه الطريقة في مرحلتها الأولى والثانية وقولهم في ذلك أن الغايات والأهداف التي يحددها الخبراء ليست في الواقع أكثر من غايات الخبراء أنفسهم فهي إذن غريبة عن الأفراد الذين وضعت لأجلهم والذين يطلب إليهم العمل لتحقيقها. أما موافقة الشعب على ما أقر الخبراء فلا تعني أنه أخذ على نفسه التقيد بما وافق عليه. لأن هذه الموافقة تحصل في المستوى الفكري بينما التنفيذ والعمل يقعان في مستوى العادة.
إن هذه الانتقادات الموجهة لشكل الديمقراطي لإصلاحه لم تكن ممكنة بالأمس لعدم توفر الشروط ولضيق نطاق المعرفة، فهي كما يظهر للقارئ مستندة للسكلجة الحديثة وللفلسفة البراغمية ولتقدم وسائط الاتصال والنقل (الراديو والطيارة) تقدماً لم يحلم به أحد قبل جيل واحد.
فالسكلجة الحديثة تشير إلى أن المثل العليا لا أثر لها في حياة الأفراد اليومية إلا بمقدار ما يفهمونها ويحيطون بها. وإن الأفراد لا ينفذون بغير استعمال العنت والشدة خطة مرسومة إلا بقدر اشتراكهم في وضعها واتصالها بحياتهم العادية وأن كل رأي أو وجهة نظر مهما كان مصدرها لا تترك أثراً في حياة الفرد الخاصة إلا بمقدار مامحصها بذاته وأحاط بما يترتب عليها بنفسه. وإن المثل الأعلى لا يكتسب تأثيراً وقوة إلا على نسبة تطبيقه في حالات وأوضاع متنوعة.
وتتفق تلك الانتقادات المستنبطة من السكلجة الحديثة مع وجهة نظر البراغمية في تفسير الديمقراطية وتحديد مرماها وبما أن النتائج التي توصلت إليها السكلجة قائمة على درس الحياة كما يعيشها الأفراد تكون مهمة المحدثين تحويل الأنظمة الديمقراطية لجعل هذه نسخة طبق الأصل عن الحياة كما أدركها العالم. هل يوفقون لاكتشاف الطرق الناجعة لتحقيق