بمساعدة صديقه هويزمنس أن يتوظف في الوزارة الحربية وقد كان يقضي ساعات الفراغ كسولا (الكسل آفة من آفات الشباب) يتنزه في حديقة (الحي اللاتيني) الكبرى برفقة أحد أصدقائه إلى أن تزوج بفتاة اسمها جان كوبيلار في ٣١ أيار سنة ١٨٩٣.
ولما أتى عام ١٨٩٣ ترك فالري وظيفته في وزارة الحربية وعين أمين السر لرئيس شركة هافاس ثم انتقل إلى لوندرا حيث ترفع إلى مديرية مكتب الأخبار الإفرنسي وفي فرصة الصيف عاد إلى مونبلييه وكتب في الدار التي ولد فيها الفيلسوف أوغست كونت السهرة مع المسيو تست.
كتب فالري السهرة مع المسيو تست بعد أن دخل في حياته الأدبية شاعر آخر هو الأميركي ادكاربو ومن هذا الوقت تعشق فالري العلوم الطبيعية ودرس الأحلام وتأثيرها في تطور الأفكار قبل أن تلبس ثوب الألفاظ وقد درس فالري تحت تأثير ادكاربو حالة الحالم اليقظان وتلك النغمات الشجية المسكرة التي يصدرها بعض الرجال من أعماق نفوسهم دون أن يستطيعوا التعبير عنها.
المسيو تست صورة من صور فالري العديدة وهو مخلوق غريب أبعدته تأملاته ويأسه وعجرفته عن قوانين الوجود البشري فأضحى آلة مفكرة هدامة لجميع مظاهر الحياة فلا شيء خارجاً عن فكره وحياة فكره ذاتها ضعف لأن الكمال بالعدم (يوجد شيء قليل من مذهب الفيلسوف الألماني شوبنهور عند فالري) ومذهب فالري الأدبي هو لاشك مذهب العدم وقال مالرمه يوماً إن أجمل صفحة قرأها هي الصفحة البيضاء العذراء المنزهة عن كل دنس أي التي لم يكتب فيها شيء،. . . . . ولم يتوصل المسيو تست إلى التهرب من بشريته لأنه متزوج وامرأته أميلي تست رمز حي للقلب البشري في أسمى عواطفه وقد دعاها الواحة يلتجئ المسيو تست إلى واحته ليستريح من العناء الذي يقاسيه في الصحراء التي تمتد في أعماق نفسه. . . .
وامتنع فالري عن الكتابة وأخذ يدرس الرياضيات والهندسة وعلوم الطبيعة وما وراء الطبيعة وتوفي مالرمه سنة ١٨٩٨ وأحدث موته صدمة قوية في عقل وقلب فالري وأعلنت الحرب الكبرى ولم يشترك فيها إلا بضعة أسابيع ثم أتى عام ١٩١٧ وفي يوم من عام ١٩١٧ رجع فالري إلى ميدان الأدب بعد أن احتجب أكثر من عشرين سنة ونشر في