للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخصائصه لكثرة رؤيته ولفرط ألفته وذلك كوصف البوادي والمفاوز، والكثبان والوديان، والخيل والأنعام والمها الأرام والسماء والكواكب والغمام، يدل عليه شعر العرب في الجاهلية البعيد عن التكلف والكذب والممتاز بدقة الوصف وسلاسة الوصف، وبدل عليه أيضاً ما حدث به أبو العالية عن أبي عمران المخزومي قال: أتيت مع أبي والياً كان بالمدينة من قريش وعنده ابن مطير الشاعر وإذا مطر جود فقال الوالي:

- صف لي المطر فأجابه ابن مطير:

- دعني أشرف عليه.

أي دعني اصعد على شرف ورابية فلا تخفي عني منه خافية، فأصفه لك وصفاً صادقاً، وبعد أن أشرف كما طلب على المطر، وصفه للوالي وصفاً حسياً كثير الوشي والصور.

كذلك كان الوصف في صدر الإسلام دقيقاً ومبنياً على المشاهدة، فكانت الصفات المصورة والألفاظ النقاشة تبين الموصوف ولو كان غير معروف، يدل على ذلك ما رواه ابن عساكر عن أبي عمامة: أن رجلاً من بني عامر بن صعصعة جاءه وقال له:

- يا أبا إمامة، إنك رجل عربي، إذا وصفت شيئاً شفيت منه، فصف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوصفه له وصفاً بلغ من دقته وصحته في نفس العامري أن قال له:

- لقد وصفته لي صفة لو كان الناس جميعاً لعرفته بها!

ثم أن هذا البدوي استقرى الناس حتى رأى الرسول فعرفه بتلك الصورة الكاملة الواضحة التي صورت له هامته وقامته لباسه، وصفاً صادقاً أزال ارتيابه والتباسه وهل أجاد ليت شعري أبو زبيد الطائي وصف الأسد إلا بعد أن شهد منه بعيني رأسه مشهداً رهيباً، يقول عنه لسيدنا عثمان (ض) إذ يلومه على الإكثار من ذكره: ولكني رأيت منه منظراً وشهدت منه مشهداً لا يبرح ذكره يتجدد ويتردد في قلبي، ومعذور أنا يا أمير المؤمنين غير ملوم!

ويحكى عن ابن الرومي أن لائماً لامه بقوله لِمَ لم تشبه تشبيه ابن المعتز وأنت أشعر منه؟ فقال له: أنشدني شيئاً من شعره أعجز عنه، فأنشده في صفة الهلال:

انظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر

فقال له ابن الرومي زدني، فأنشده:

كأن آذريونها ... والشمس فيه كالية

<<  <  ج: ص:  >  >>