فقال: واغوثاه! لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ذاك يصف ما عون بيته لأنه من أبناء الخلفاء. وأنا مشغول بالتصرف في الشعر: أمدح هذا مرة، واهجوا هذا مرة، وأعاتب هذا تارة، واستعطف هذا طوراً.
هذا ولعدم التمكن من مشاهدة الموصوف، وعلماً بأن الوصف لا يتم إلا برؤية موضوعه بكى بشار بن برد حينما وصفه حماد عجرد بقوله:
ويا أقبح من قرد ... إذا ما عمي القرد!
فقال بشار: ويحي! يراني فيصفني، ولا أراه فأصفه. وهذا الوصاف الفرنسي الكبير شاتوبريان الملقب بفاتح الطبيعة لما كشف بأوصافه من محاسنها يقول عن نفسه مبيناً مواضع الوصف:
في الغابات غنيت الغابات، وعلى السفن وصفت البحر المحيط، وفي ميادين الكفاح تعلمت وصف السلاح، وفي المنفى تعلمت حقيقة النفي، وفي القصور والمرافق العامة ومحافل المجتمعين درست ما درسته عن الأمراء والسياسة والقوانين.
ومما نصح به الأستاذ ماريو روستان في كتاب الوصف والصورة:
الوصف لوح تصوير أجل مزاياه الحقيقية، فلا جل الظفر بها يجب على الواصف أن يآلف النظر إلى الموصوف، وكثيراً ما كان فلوبر الوصافة الكبير يقول ناصحاً: حدق البصر لتحسن النظر واضرب بالكتب عرض الحائط أي لا تتعلم الوصف من الكتب وحدها، إذ لا يكفي أن نلقي على ما يحيط بنا من الأشياء نظرة المسكال، يمر بالشيء فلا يراه إلا لمحا فتلتبس عليه المرئيات وانطباعاتها ويعجز عن تمييز بعضها من بعض، وعن ترتيبها ونقشها في لوح ذاكرته
إن المشاهدة الصحيحة لا يتم تصويرها إلا للقوة الفعالة والإرادة الصحيحة، فهي التي تجبر الطبيعة على الدخول في العين وهي التي تكسب الإحساسات وضوحاً وتبين ما بينها من الفروق، وترتبها وتحفظها في الذاكرة عدة وذخيرة للمستقبل، فالنظر الجيد والحفظ الجيد والإنشاء الجيد ثلاث شرائط لابد منها لتجويد الوصف الصحيح.