إصلاحها إلا بالهدم والبناء معاً. فهو يهدم البيوت القديمة ويستفيد من أوضاعها وأنقاضها في بناء الشوارع الجديدة. يجمع الماضي إلى المستقبل ويضع القديم في الحديث، ولكن الصورة المجردة التي في نفسه هي أصل إبداعه. لأن الفكرة كما قال ابن خلدون أول العمل.
إن أسباب القلق في نفوس الشبان ناشئة عن فقدان المثل الأعلى من نفوسهم وعدم وجود تفكير شخصي حر يجردون به عن إتباع الآثار القديمة وتقليد الأوضاع الغربية تقليداً أعمى. ولو أبدعوا لأنفسهم صورة جديدة لارتاحوا في الارتكاز عليها. . . لولا الإبداع لبقيت البشرية مظلمة كما كانت في العصر الحجري. فالإبداع قد ملأ الحياة الاجتماعية بالصور الدينية والعلمية والفنية. وهي بالنسبة إلى الحياة كالزهر بالنسبة إلى الطبيعة. والتوازن المتحرك خير من التوازن الساكن مع الراحة، لأن الحركة أقرب إلى الحياة والحرية. والمرء في التوازن الساكن يعيش مقلداً على نمط واحد وإذا تحرك كانت حركته ميكانيكية. ولكنه في التوازن المتحرك يجدد نفسه وأفكاره في كل لمحة. وكما تقلب العادة الحرية إلى تقيد والنفس إلى مادة، فكذلك يقلب التوازن الاجتماعي الساكن واجبات الإنسان الحر إلى فرائض اتباعية. فالإبداع دليل على الحرية وهو بالنسبة إلى العقل كالحرية بالنسبة إلى الإدارة وإذا تكامل صار كما قال ابن سينا في أعلى درجات التكوين، إلا أن الإنسان بالرغم منه لا يستطيع التجرد من الماضي وكلما كان الماضي بعيداً كانت تقاليده ثقيلة.