منهم وتشعر معه ويشعر معك إن حباً أو بغضاً أما في المدينة فأنك تعيش مع الألوف ولا تتعارف حق المعرفة وتعطف بعض العطف إلا على عائلات وأفراد قليلي العدد. في القرية يهتم للمعنويات في هذه الحياة وللأنفة والشمم والسمعة الطيبة ويكثر فيها القال والقيل الفارغ أما في المدينة فينظر للحياة نظرة جدية ويهتم بالمادة فوق كل شيء، فيتفانى أهل المدينة في سبيل نيل القوت الضروري أو إحراز الغنى ليمتع أنفسهم طالبوه بكماليات الحياة المعروضة أمامهم للبيع. وكذلك فإن أهل القرية محافظون والفرد فيهم أسير للعادة وللتقاليد بينما نجد أهل المدينة نزاعين إلى التجديد والتبديل والفرد فيهم مستقل وحر بتصرفاته وأفكاره. على أن القرويين يميلون للتشبه بأهل المدينة ويسعون لتقليدهم إلا أن أغلب ما يقلدونهم فيه هو الظواهر دون الجواهر لأن الظاهرة أقرب للعين وأرغب للهوى وأسهل تناولاً لليد.
إذن فموقف المدينة من القرية موقف المادي الطموح من الرواقي القانع بالخيال والمتمسك بالمبادئ العالية، وموقف العالم من الساذج، والمعلم من التلميذ، والأب المتبني من الابن المتبنى، والغني من الفقير، ورب العمل المكافئ من العامل النشيط والملجئ من الملتجئ والقبر من الرحم.
ليس كل ما ذكرناه من المقابلات في هذا المقال يختص به الشرق دون الغرب بل أن كثيراً منها يصدق في الاثنين على السواء. على أن بعض المقابلات التي لا تنطبق على الغرب والتي هي لب الموضوع يبرر حصر العنوان بمدن الشرق فالمدن الغربية من الوجهة الصحية ومن حيث مقابلة عدد المولودين بعدد المتوفين غير مدننا. وإذا أغفلنا ما تزيده القرى في عدد سكان المدن قلنا أنها نظراً لنظافتها وللوسائط الصحية المتبعة فيها ولحداثة عهد الكثير منها لا تنطبق عليها بعض النعوت التي نعتنا بها مدننا ويمكنها أن تتزايد وتحتفظ بنشاطها بقطع النظر عن القرى قد تمدها بالحياة والنشاط كما أن الرقي الفكري ميسور في قرى الغرب فوق ما هو ميسور في قرانا بسب حسن المواصلات وثراء الشعب وغيره، ولقد كانت باريس ولندن قبل مائة وخمسين عاماً كما هي مدننا اليوم ولكن الغرب يخطو خطوات واسعة في سبيل التقدم كل عام بينما نحن نرقى ببطء وتغلب فينا روح المحافظة على حب التجديد وكذا فالنظافة العامة والشعور بواجب الفرد نحو المجتمع لم