خطيباً ساحراً، فأنه صور ببراعة كبيرة مدن أفريقيا في المستقبل وتكلم بحماس شديد عن الجيوش القوية التي ستدافع عن أفريقيا السوداء. . . .
ولكنه لم يذكر شيئاً عن كيفية استيلاء الزنوج على هذه القارة، ولا عن كيفية طردهم الأمم القوية البيضاء المحتلة لأكثر أقسامها. مما جعلني أدرك أن هذا الرجل يتلاعب بسلسلة من الألفاظ النارية ليستولي على عقل شعب ساذج.
ومع ذلك، فقد سرى السم في عروقي. لأني منذ سمعت غافي يتكلم، لم يعد في وسعي أن أنسى أنني زنجي وأن البيض ينظرون إلي كرجل منحط وأني مدين بهذا وبهذا فقط لغارفي.
كنت في الثامنة عشرة من عمري عندما سافرت إلى أميركا حيث ذقت مرارة العيش وعرفت سريعاً أن كون الإنسان أسود يكلفه شقاءً كثيراً. وأردت أن أمتهن صناعة رسم الخرائط التي تعلمتها في وطني، ولكنني كنت كلما طلبت العمل تلقوني بابتسامات الهزء والسخرية. وبعد أن هزؤوا بي كثيراً، وتحملت إهانات كثيرة بدأت أفهم حقيقة الأشياء ولقد تقدمت إلى رجل على غاية من اللطف فقال لي: يا بني. أنا لا أشك في مقدرتك على الرسم وأرى أنك شاب متعلم ومهذب. ولكنك لن تستطيع العمل هنا، لأننا لا نقبل رجلاً ذا لون في عمل كهذا.
وانتهى بي الأمر إلى أن أصبحت خادم رافع (اسانسور) في أحد الفنادق. ولكنني كنت اجتهد دائماً للتفرغ إلى العمل الذي صممت عليه فقد رأيت أمريكا بلاداً قوية فعزمت أخيراً على أن أكون زنجياً من نيويورك. ولقد كان لي في هذا بعض التعزية. لأني اكتشفت أنني أجيد الرقص، وأنه يمكنني ترك نفسي تسير في تيار من الألحان القاسية الوحشية الجميلة التي يهتز لها جسمي ويضطرم بتأثيرها. أنني أفضل مئة مرة أن آتي إلى أميركا وألقى كل أنواع الألم والعذاب من أن أحرم هذه الموسيقى السوداء المتأججة! وأني لأرضى أن آتي إلى أميركا وأرى شيئاً يستحق الأهمية. ولكن هذه المهنة كانت عسيرة عليّ، وسببت لي كثيراً من اليأس. فكنت أقوم بمهن حقيرة لأكسب قوتي ثم أسعى لأن أكون كاتباً.
وأحياناً كثيرة كنت ألعن هذا الجلد، هذا الغشاء الأسود الذي يكسو جسدي ويضع أمامي العراقيل والعقبات، ويسبب لي أنواع المصائب والألم. ولا أستطيع أن أقول أنني أحرزت