ذلك خاصة بالطبقة العامة الجاهلة من الناس وكادت أن تنحصر بهم وحدهم. واللغة العامية هي دائماً دون اللغة الأدبية التي يتكلمها كبار الناس وأصحاب المكانة العليا والمثقفون في الأمة ولذلك فاللغة العامية لا تلبث أن تضمحل وتترك المكان للغة الأدبية التي تصبح أقوى وأشد منها وذلك لأنها أي اللغة العامية، لغة لا ثقافة ولا تاريخ ولا آداب مكتوبة لها ثم أنها لم تؤلف وترتب بصورة يستطيع المتكلم بها أن يوضح عن جميع ما يخامر نفس الرجل المتعلم من أفكار وصور ومعان وهي منحصرة أيضاً بأشياء ومعان خاصة تقوم في نفس الرجل العامي الجاهل وجميعها تتعلق بالحياة المادية العلمية والتي تعود أكثر ما يكون للقرى والأرياف وهي تستطيع بهذه الميزات والصفات أن تبقى ثابتة وأن تعيش طويلاً ولكنها لا تستطيع أن تجاري لغة المثقفين المتعلمين من الطبقة العليا في الأمة تلك اللغة التي هي أوسع في التعبير عن الفكر وأغنى في إيضاح ما يجول في النفس من شتى المعاني والصور ومما تقدم يتضح أن هنالك عراكاً يكاد لا ينقطع بين اللغات والغلبة دائماً تتم للقوية على الضعيفة هي التي يتكلمها عدد قليل من الناس بالنسبة للأخرى وجلهم من رجال الطبقة العامة. وتموت اللغة حينما يشعر المتكلمون بها بعدم الحاجة إليها وعدم الميل والإرادة للتكلم بها لعجزها عن إيفاء جميع ما يريدون قوله وينتج من هذا أن اللغة لا تعيش بذاتها بل تعيش بإرادة أبنائها وحرصهم عليها بالعمل في سبيل إصلاحها المستمر وجعلها وافية بكل ما يتطلبه تفكير العصر الذي يعيشون فيه ويذكر الأستاذ فاندريس لذلك أمثلة كثيرة نأسف لضيق المجال هنا عن إيرادها جميعها ويستنتج من مجمل تلك الأمثلة والشواهد أن اللغة لغتان لغة تحكى ولغة تكتب ولا يمكن مهما تقدمت اللغة أن تكون هي هي كتابة وتكلماً وأن هنالك خطراً متى تباعدت اللغة المحكية عن اللغة المكتوية فيجب دائماً السعي لتوثيق الصلة بين اللغتين وتقريبهما من بعضهما ما أمكن وذلك بإدخال ما صلح من اللغة المحكية في اللغة المكتوبة وهذا لابد عنه في تطور اللغة الأدبية فمن يحاول أن يكتب بالفرنسية مثلاً في هذا العصر بلغة فولتير الكاتب الفرنسي فلا مندوحة له وهو يعالج موضوعاً لم يعالجه ذلك الكاتب من إدخال بعض مصطلحات عصرية رغماً عنه تمثل الزمن الذي يعيش فيه فاللغة هي شيء ذو حياة فإن جمدت ولم تسر مع ما يتطلبه التجدد ماتت والويل للأمة التي تحاول أن تبقى بلغتها حيث هي فالزمن يتقدم جارياً مع