هذه الحياة العلمانية عندنا ويطلقون على النظام الحكومي في بلاد الإسلام الحكم الإلهي لأن الدول الأوربية كما يقول أحد المستشرقين لم تتوصل إلى شكلها المدني الحاضر وفصل الدين عن الدولة إلى بعد جهاد عنيف وجهود كبيرة أما في الشرق فقد بقيت السلطتان الروحية والزمنية ممزوجتين معاً ويجب أن نفتش هنا عن أسباب المشادة الواقعة بين الأوربيين والأمم الإسلامية ومن جملة الفوارق التي نراها بين العقيدتين المسيحية والإسلامية هذه المسحة الدينية الغالبة على أنظمة الإسلام إذ لم تفسح الديانة المسيحية يوماً ما المجال للحكم الإلهي أن يتسلط على كل شؤون الدولة وإذا استعرضنا التاريخ رأينا تجاه طبقة الاكليروس طبقة أخرى علمانية لها قوانينها السياسية والإدارية التي تفرق تماماً عن الأنظمة الأكليرية فقد تشاهد القانون المدني إلى جانب الروماني وقانون التعرف والعادات ولم تكن القرون الوسطى إلا شبه معارك دموية بين سلطة الباباوات الدينية وسلطة الإمبراطورة المدنية المسيحية نفسها السلطة الزمنية حتى أن الإنجيل أوصانا أن نرد ما لقيصر لقيصر. .
والحقيقة أن الأديان تتفق بروحها وتختلف بتقاليدها وطقوسها غير أن المسيحية لم تتمكن من فرض الحكم الإلهي إلا في بلاد معينة وطرق خاصة. ولعل انتقال المسيحية إلى الغرب وابتعادها عن محيطها الشرقي هما اللذان جعلاها تفرق عن الديانة الإسلامية من حيث نظام الحكم وأصوله حتى إذا صادقت محيطاً يختلف عن المحيط الشرقي وعقلية تختلف عن عقلية الشرقي تكيفت بتأثير هذا المحيط وإلا لو بقيت في الشرق لما كان مستبعداً أن يكون شكل الحكم عندها شبيها بمثله في الإسلام. ولا يتسرب إلى البال أن الدين الإسلامي هو الذي دشن الحكم الإلهي في الشرق إذ قد وجد هذا النوع من الحكم قبل أن يثب العرب من الصحراء وثبتهم المعروفة فقد نصب الاسكندر المقدوني بعد خلعه الملك داريوس نفسه ملكاً ونائب الإله عند اليهود وينتظر الشعب اليهودي رغم تشتته رجوع المسيح المنقذ وما هذا المسيح المنتظر إلا رئيس ديني يجمع السلطتين الدينية والسياسية معاً.
ولما كان الفن صورة الحياة وهو الشيء الوحيد الثابت في هذا العالم رأينا أن المسحة الدينية غالبة على الفن الشرقي، فالفن الفرعوني القديم هو فن ديني والآداب العبرانية دينية بحتة والآداب الفارسية القديمة هي دينية بروحها ووحيها.