اليونانية أمام هجمات الرومان والحضارة الفارسية أمام صدمات العرب، وما هذه الحركات التجديدية المزعومة التي يتمخض بها العالم الإسلامي اليوم إلا شبيهة بحركات الجسم العنيفة التي يعقبها الموت عادة أو بقرقعة البناء قبل الانهيار
تلك هي الفكرة التي خرجت بها بعد قراءة هذا الكتاب ومؤلفه يزاول التدريس في كلية الآداب بالجزائر وهو أحد الذين اتخذوا المغرب الأقصى موطناً لهم وعاشوا في محيط أسلامي ودرسوا نفسية المسلمين وطرق معيشتهم ولذا غدا كتابه جديراً بالدرس والمطالعة لما حواه من الآراء الجريئة والتكهنات الغربية.
نأخذ على المؤلف تسرعه في تعميم نظرياته (التي تشتمل على معلومات أولية مقتبسة عن أوضاع الهيئة الاجتماعية في أفريقيا الشمالية) على بقية البلاد الإسلامية بدون أن ينظر إلى الشوط الذي قطعته الشعوب الإسلامية في مضمار التطور لاسيما في السنين الأخيرة، حتى أنه لم يتردد عن نفي كل حركة تجديدية كما تقدم معنا وإنكاره على العالم الأميركي ستودارد تسمية كتابه بالعالم الإسلامي الجديد أما أن لا حركة تجديدية في العالم الإسلامي فالمستقبل كفيل بإظهارها وأما أن يبحث المؤلف عن أسباب تأخر الشرق وعن عوامل الانحلال فهذا ما نود معرفته والإطلاع عليه.
عرض المؤلف لكثير من الفوارق التي تميز الهيئة الاجتماعية الغربية عن الشرقية الإسلامية وحاول إظهار ما في الأولى من العوامل التي تدفعها في طريق التقدم وما في الثانية من عوامل التأخر والجمود التي تعرض هذه الحضارة للسقوط والاندثار ولعل أهم هذه العوامل هي نظرة القداسة في الإسلام إذ تختلف هذه النظرة عنها في المسيحية فالقداسة في بلاد الإسلام وراثية لها مميزات خاصة زد عليها تضامن الفطرة الارستقراطية مع القداسة وغدا كل من يتصل بنسب شريف يكتسب درجة تجعله في مكانة اجتماعية فوق ما تسمح له به مواهبه وكفاءته واستعداده الفطري ولا يخفى ما لهذه النظرة من التأثير السيء في سير أفكار المساواة وقتل الكفاءات بعد أن رأينا الديمقراطية في الغرب تفتح الأبواب للمواهب ولقيمة الفرد الشخصية.
وعامل آخر لا يقل أهمية عن الأول هو تدخل تعاليم القرآن في كل مظاهر حياة المسلم حتى العادية منها وقد تعدت هذه التعاليم الدينية الشخص إلى الدولة ولذا يعجب الأوروبيون