(رأيت جبهة كالمرآة الصقيلة، يزينها شعر حالك. . . إن أرسلته خلته السلاسل، وإن مشطته قلت وإن مشطته قلت عناقيد كرم جلاها الوابل، ومع ذلك حاجبان كأنهما خطا بقلم أو سودا بحمم، قد تقوسا على مثل عين الظبية. . بينهما أنف كحد السيف المصقول لم يخنس به قصر ولم يمض به طول، حفت به وجنتان كالأرجوان، في بياض محض كالجمان، شق فيه فم كالخاتم لذيذ المبتسم، فيه ثنايا غرر، وأسنان تعد كالدرر، وريق كالخمر له نشر الروض بالسحر. . . . وقد تربع في صدرها (صدر كتمثال الدمية) حقان كأنهما رمانتان، من تحت ذلك بطن طوي كطي القباطي المدمجة. . خلف ذلك ظهر كالجدول ينتهي إلى خصر، لولا رحمة الله لأنخذل. ولها ساقان خدلجتان كالبردي يرى من صفائهما مخ العظام، ويحمل ذلك قدمان لطيفان، كحرف اللسان، تبارك الله مع صغرهما كيف يطيقان حمل ما فوقهما) الخ. الخ.
ألا ترى يا جميل كيف أن الوصف يغني عن الرؤية؟ إنني أرى بنت عوف، كما رأيت أمك قبل الزواج بما حدثوني عنها!
قال جميل - أما أنا يا والدي فقد أتصور ابنة عوف كالتي تتصورها، ولكنني لا أحبها. . أو قد أحب صورة لها أتخيلها ولكنها لا تشبه صورتها الحقيقية، فأنكب إذا ما رأيتها في أملي وخيالي، يجب أن أرى أولاً. .
قال الأب: ولدي! ألم تكتب إلي أن إقامتك في باريس بعثت في نفسك الكره لكل ما هو غربي وزادتك بأخلاق بلادك إعجاباً. اليوم جاءت الساعة لتقدم الدليل على ما قلته. لقد أصبحت ملكاً لنا، ملكاً لهذه البلاد التي تبرهن على حبك لها بإتباعك عاداتها. إن العائلات السورية لن تمكنك من رؤية بناتها والتحدث إليهن، وإذا استطعت أن ترى خلسة فلن تستطيع أن تكاتب، وإذا استطعت أن تكاتب فلن تملك أن تتحدث، وإذا تحدثت، فبغير ما يروي الظمأ. إن بعض العائلات تتساهل في هذه الأمور، وأما العائلات العريقة في الشرف والتقوى، فما زالت محافظة، وزوجتك يجب أن تكون من هذه العائلات المحافظة، فلا طمع إذن في أن تراها!
قالت زليخا: ولكن عندي صورة جميلة. هاهي - ودفعتها إلى أخيها!