للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(القديد). أنه يقوم بعمل جنوني فهو يدرس الأناشيد القديمة لدى مختلف الشعوب، ويقايس بينها. ويؤلف كتاباً عن وحدة الموضوع فيها وعن توافق المشاعر عند توافق الأعمال وعن فضل الشرق في الأدب الغربي.

كل هذه الأمور لا يحتاج إليها الناس. فلا يمكن أن تصنع منها اسطوانة للفوتوغراف أو رواية للتمثيل أو دليلاً لوكلاء التجار السائحين الذين يهمهم معرفة شيء عن نفسية الشعوب التي يسافرون إلى بلادها والتي تشتري السيارات أو أصبغة (الآنيلين) من ألمانيا.

ولكن (بريغر) يشغل نفسه بأناشيد لم يعد أحد يغني بها. ويبحث في لغات لم يعد أحد اليوم يتكلم بها فأن سكان برلين أخذوا منذ مدة طويلة يعزفون مقطعات (الفوكستروت) عوضاً عن الغناء بأناشيد قديمة بلهاء.

ويظهر أن هناك بعض شواذ الناس قد وقفوا شهرياً (١١٠ ماركات) على بريغر لمساعدته في عمله. وهو يعيش بهذا المبلغ فيأكل (البطاطا) بدون سمن ويحاول أن يكتب بخط ناعم على قدر الاستطاعة ليقتصد من الورق. ثيابه ممزقة. وهو فقير في رئته اليمنى جرح ولكنه مثابر رغم ذلك على العمل. أنه لا يعرف شيئاً عن معاهدة (لوكارنو) وليس له من علم على وجود سيارة باسم (مرسيدس). بل يجهل أن ألمانيا في طريق النهوض. أنه يجلس طوال النهار ويشتغل في قميصه لئلا تتخرق ثيابه عند المنكبين. ومساء يذهب قليلاً إلى (الزه بريخت) التي تبيع عطر (آدونيس) في إحدى المحلات التجارية. فيقص عليها في كلمات مرتبكة عن الأساطير الهندية وعن تأثير العرب في إشعار (كاستيليا).

وفي هذه الأثناء يسمع السيد (شتوس) في ملهى (آستوريا) إلى أغاني (الشارلستون) الجديدة. وإلى جانبه فتاة شقراء معوجة الأنف تتوجع والسيد (شتوس) يخزها بأبرة.

والفتاة سعيدة لأنها تعرف جيداً من الذي يخزها. وأمام الباب سيارة مرسيدس غارقة في النوم تحرسها عين البواب. وللشقراء كل الحق في أن تفرح إذ أن السيد (شتوس) قد نال في معرض (كولونيا) وساماً ذهبياً. وكان في السنة الماضية ربح (٨٦٠٠٠٠) مارك وقبل مدة قصيرة نشر رسمه في الملحق المصور لأكبر جريدة في (لايبزيغ) ومتى جلس رجل كهذا للهو فإن جميع الذين حوله يصبحون سعداء سواء الخدم أو الفتاة الشقراء أو الموسيقيون. أليس السيد (شتوس) من أكبر العملين لأنهاض ألمانيا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>