الجمال بشكل آخر فيرينا إياه في ازميرالدا الراقصة الفاتنة.
وقد تجاوز غيره من الشعراء هذا الحد في معرفة الجمال على صور النساء، أما شعراء العرب فقد نظروا لجمال المرأة نظراً لم يحلقوا فيه كشعراء الغرب وإن استطاع بعضهم ذلك فما دوموا تدويماً، أنهم تطلعوا إلى حسن المرأة في عهد جاهليتهم فوجدوه بدوياً على مثالتهم. وظهر لهم منذ النظرة الأولى في الأعين الدعجاء والشفاه اللسعاء وفي الأجفان والحوا جيب وأبصرووه في الغدائر السود والغرر البيض ثم رأوه في القامات الممشوقة والخصور الدقيقة والأطراف الرقيقة والأعجاز الرجراجة الثقيلة، وقد أخذ من البابهم منظر القمر ومشرق الشمس وأعناق المها وعيون الجآذر وغصون البان وجعلوا من كل هذا تشبيه ونعوتا لجمال المرأة عندهم فتعزلوا به وفتنوا وافتنوا، وأول من وصف المرأة فيهم هو أمرؤ القيس سيد شعراء الجاهلية، فاقتفى أثره وترسم خطاه من جاء بعده من الشعراء، وهاك شعراً له ينعت به جمال فاطمة يوم دارة جلجل:
مهفهفة بيضاء غير مفاضة ... ترائبها مصقولة كالسجنجل
وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش ... إذا هي نضته ولا بمعطل
فقد شبه صدر فاطمة الأبيض بالمرآة المجلوة وعنقها بعنق الغزال ونعت لون شعرها الأسحم بغصن النخلة ثم بدأ جمال المرأة لشعرائنا في عهد الإسلام وكانت ضربت عليه الخمر وحالت دونه الستور، فوصفوه وصفاً لا ينطبق على المشاهدة إلا عمر بن أبي ربيعة شاعر الحب والجمال، فإنه نال حظوة لدى ربات الحسن وملكاته، فأجاد في وصف الجمال النسوي وأبدع، وقصر عن شوطه الشعراء العذريون من أهل الغزل إذ وصفوا الحب في أشعارهم ولم يصفوا الجمال مثله، وإن الشعراء الثلاثة الأخطل وجرير والفرزدق لم يجيدوا إجادة عمر في فنه البارع، لأن الهجاء اللاذع هروه فنجهم، وصرفهم عن مفاتن الهوى والشباب، وكان يصح لجرير أن يبذ نديه لوترك وشأنه فقد حرمتنا سياسة الأمويين إبداع جرير في وصف الجمال، ولعله كفر عن تقصيره حين وصف العيون الحوراء بقوله:
إن العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله إنسانا