على أن ابن ربيعة في وصفه جمال المرأة يريده حضرياً، فلا يأتيه إلا بدوياً، لأن تأثير البداوة في عصره كان شديداً، لاسيما وقد نشأ وعاش في الحجاز، حيث كان يتلمس الجمال بين مناسك الحج ويتحسس الحسن في أفياء الخرد الرعابيب، انظر إلى وصفه جمال فاطمة بنت عبد الملك:
وذكرت فاطمة التي علقتها ... عرضاً فيا لحوادث الدهر
ممكورة ردع العبير بها ... جم العظام لطيفة الخصر
وكأن فاها عند رقدتها ... تجري عليه سلافة الخمر
وبجيد آدم شادن خرق ... يرعى الرياض ببلدة قفر
ويصف عمر هندا بنت الحارث بقوله:
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة ... تخالها في ثياب العصب دينارا
كأن عقد وشاحيها على رشأ ... يقر ومن الروض روض الحزن أثمارا
فلندع شعراء العصر الأموي. ولنعكف على العصر العباسي، عصر الجمال المبذول والشعر المصطفى الذي يجرر من خيلائه أذيال المرح والحضارة ويتقلب على أعطاف النعيم. لنأت إلى أبي نواس، ويح هذا الشاعر الماجن لقد شغله جمال الخمرة عن جمال المرأة، ولكنه لم يقصر إذ قال:
وذات خد مورد ... فضية المتجرد
تأمل العين منها ... محاسناً ليس تنفد
فبعضه يتناهى ... وبعضه يتجدد
والحسن في كل شيء ... منها معاد مردد
فكون النواسي من هذا الجمال صورة فنية دقيقة أيما دقة وجعله غير منعدم المادة كأنه الجوهر الفرد، وعرج بالجمال إلى سماء من الشعر الحضري لم يسبقه إليها شاعر عربي، وليت شعري أن قصر أبو نواس في وصف الجمال فمن يجيده؟
بدأ التطور في هذا الوصف منذ عهد الشعراء المولدين من أيام زعيمهم أبي نواس وكان له ولصحبه من المجان شعر كثير في الجمال الحضري أخذ روحه وريحانه من الأدب الفارسي ومن حياة الحسان والقيان.