ذلك، عزمت على لقاء الأستاذ
وصباح الأمس دخلت مدرسته كالكثيرين غيري من المنتظرين على بابه.
وكانت القاعة واسعة، لا شيء من الرياش فيها ولها نوافذ ترمي إلى أروقة طويلة وكان آريل واقفاً ومسنداً ظهره إلى الحائط، متدثراً، رغم الحر الشديد، برداء سميك وضخم. ولعله يرتديه ليخفي تحته جناحيه الطويلين، لأن عينيه كانتا ترسلان دائماً نحو السماء ومن فوق الجبال الرمادية العالية، نظرات جامدة، باردة خرساء.
ومنذ دخلنا جميعاً، نظر إلينا واحداً واحداً، ثم أمر بطرد شابين أخوين كانا قد حاولا الاختفاء بين صفوفنا ولكن قوة نظراته في معرفة حالت دون ذلك فبعد أن خرجا وأمر بإقفال الباب، بقي صامتاً مدة غير وجيزة.
لقد كنا جميعاً وقوفاً مثله ولم يكن يسمع في القاعة التي لا رياش فيها غير صوت أنفاسنا.
وفجأة بدأ آريل في الكلام، فكان صوته ينحت الألفاظ نحتاً:
اليوم، سأتكلم عن الإنسان وشقائه الأكبر! كم من مرة شفق عليكم! كم من مرة حذرتم! وكم من لعنات صبت عليكم! قد وصف البعض في كتبهم جراحكم الخفية، واحتقركم البعض وازدراكم.
من شقائكم تولدت مراثي الشعراء، ونواح الباكين ومواعظ القديسين، وآراء الفلاسفة المتشائمين ولكن واحداً من هؤلاء لم يدرك شقاءكم الكبير العميق، شقاءكم الأبدي، الذي لا حد لا نهاية له.
لعلكم تعساء لأنكم تموتون؟ ولكن كل شيء يموت ليولد من جديد في هذا العالم.
لعلكم تعساء لأن أفراحكم قصيرة وآلامكم طويلة أبدية؟ ولكن الألم ينقذكم من التخمة، ويطهركم ويرفعكم إلى المعرفة.
لعلكم تعساء لأن قدرتكم لها حدود؟ ولكنكم ستكونون أتعس وأشقى بكثير، لو أنكم ملكتم القدرة المطلقة.
كلا! ليست هذه أسباب بؤسكم الحقيقي، إن شقاءكم غير هذا، وإلى الآن ما من أحد استطاع إظهار حقيقته لكم، وها هي:
الإنسان أبكم! هذا شقاؤه الوحيد، وهنا مصيبته الأبدية الكبرى.