للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفلسفة أيضاً لا تتضمن أي ابتكار أو إبداع، إن هي إلا إدراك شيء من الحقيقة والعلل المختبئة تحت الظواهر وهذا ما يجعلها تكون مدركة من القليلين فقط إنما الإدراك شيء والإبداع شيء آخر. وإذا استشهدنا بشيخ الفلاسفة وبأعظم رجل يمكن للقائلين بالابتكار الاستشهاد به وهو أفلاطون ورجعنا لأهم مؤلفاته وأشهرها وهي الجمهورية التي يحسبها الكثيرون مثالاً واضحاً عن مقدرة البشر على الابتكار نجد أنها من أولها لأخرها. وصف لحالات وترتيب لجزئيات عهدها أفلاطون وعرفها الأثينيون معه إذ أن قوام هذه الجمهورية هو وصف النظام الاجتماعي والسياسي المتبع في مدينة اسبرطة الإغريقية التي اشتهر أمرها في جميع اليونان وما القياس العلمي العالي الذي وضعه أفلاطون لأهل جمهوريته والصحة البدنية التي طلبها منهم إلا بيان لما كانت عليه أثينا في ذلك العصر من روح علمية وتعلق بالرياضة البدنية. وهكذا هي الحال في النظم التي ذكرها كتاب الرومان والفرس والعرب وغيرهم من كتاب الشعوب القديمة والحديثة.

بقي معنا العقائد الدينية والآراء اللاهوتية أو آراء ما وراء الطبيعة وهذه لا يمكننا بتاتاً نسبتها لابتكار البشر إذا كنا من رجال الإيمان كما أنه يمكن للطبيعيين والملحدين نسبة الكثير منها لعوامل بسيكولوجية نشأت كرد فعل لما كان يحف الإنسان القديم من المخاوف والأخطار، أو للقياس والتشبيه على البشر وقد استعملها، على رأيهم، أصحاب الكتب الدينية عندما تكلموا عن الإله والسماء والثواب والعقاب وبالفعل فإن آلهة بعض الشعوب الوثنية القديمة كزفس وهرمس عند اليونان. كانت كالبشر تفتكر وتتصرف. إلا أن الطبيعي لا يمكنه أن يعلل كل ما في الدين واللاهوت بالبسيكولوجيا والقياس بل يبقى لديه أمور كثيرة لا يمكنه تعليلها بهما.

والآن ننتقل لطرائق التفكير عند الشعوب المختلفة أو عند الشعب في مختلف أدوار حضارته فالإنسان عند ابتداء تفكيره أو عندما كان أسلوب تفكيره لا يزال على الفطرة كان طليقاً حراً يفكر كيف يشاء دون رعاية ضوابط أو قيود للفكر فتلذ له الأفكار الدينية التي لا يعلم لها قواعد وينصرف لطرق الأبحاث الأخلاقية والاهتمام بأدب النفس وبالسلوك ويولع بسرد حوادث الماضي وسماعها وبقصص الحروب وبطولة المحاربين ويكثر من الشعر الحماسي ومن الأدب المجازي ومن الوصف الخيالي الذي لا ينطبق حقيقة على الموصوف

<<  <  ج: ص:  >  >>