حينما تلقيت رسالتك لي إذاً إلا أن أضاعف الصفحات وأسهب في القول.
لقد أصبت حينما سميت ما اتصل بك من أمر خطبتي بالإشاعة وثقي بأنه إذا صح هذا الخبر فليس ما يكفي لأن يلهيني عنك أو ينسيني ودك وصداقتك.
يخيل إليّ أن الأيام التي أقضيها هنا متشابهة الصور لا أكاد أجد فرقاً بين صبحها ومسائها وكثيراً ما استغرق ذاهلة فلا أدري ما أريد ولا ما أشتهي.
أن والدي ما برحا يحوطاني بكل أسباب الرفاه والنعمة فهما لا يريان هناءً غير هنائي ولا سعادة غير سعادتي. ولقد شاء أبي أن يترك لي أيضاً في بحمدون كما في دمشق ملء الحرية في الحياة التي أحياها وكل الخيار في غدواتي وروحاتي، فهو يأبى أني يسألني إلى أين ذهبت أو من أين أعود ولعل هذا هو السبب فيما أعانيه، لأني أكاد أحاسب نفسي على كل خطوة أخطوها في بلاد رزحت تحت أعباء التقاليد القديمة فأخشى أن يتصل به عني من الأقاويل ما يعكر ولو جانباً من صفو راحته ويكدر عليه هناءه وسعادته بي، حتى أني كثيراً ما أختار البقاء في لمنزل خلال أيام كثيرة، وإذا خرجت للتنزه في بحمدون أو في ضواحيها فضلت أن أكون مع جمهور من الجارات والقريبات وبينهن الكثيرات ممن أغالب نفسي مغالبة على محادثتهن ومجاملتهن.
أؤمل أن لا أكون أمللتك كثيراً من هذه الشكوى التي لم أجد بداً من بثك إياها ولعلني لو انصرفت عنها إلى الأجابة عما تسألينني عنه مما أطالعه في هذه الأيام لعز عليّ على سبيل القول لأنني وأنا على ما وصفته لك لا أكاد أقرأ بضع صفحات من الكتب حتى أمله، فانقل منه إلى غيره، ولا أدري هل سيكون شأني كذلك مع الكتاب الوحيد الذي استهواني منذ يومين فانقطعت إليه أقرأ فيه بشوق ولذة. وغريب أن يستهويني كتاب علمي جاف كهذا عهدت نفسي لا تألف مطالعة أمثاله من قبل ولعل السر في ذلك أني أجد فيه ما يتلائم ويتفق مع ما يدور خلدي من آراءه لا أكاد أجد أن العلم يؤيدها حتى اصفق لنفسي بنفسي وأتيه بذاتي على ذاتي عجباً وخيلاءً.
عنوان الكتاب الذي أطالعه هو المرأة في العائلة ومؤلفه لابي أحد أساتذة علم الاجتماع. وأهم ما يمكن أن ألخصه لك مما قرأته فيه حتى اليوم هو أن المؤلف درس حال المرأة في الأسرة عند ثلاث جماعات: المصريين القدماء والهنود الحمر والأميركيين في هذا العصر.