وقد استخلص من الحادثات التي وصفها عند هؤلاء الجماعات في جملة ما استخلصه أن قدر المرأة يعلو في الجماعة على نسبة قدرها في العائلة، وإن مكانة المرأة تسمو في عين زوجها إذا كانت لا تقل عنه أو كانت أكثر منه ثروة أو ذكاءً أو علماً ومعرفة، وعلى الأخص إذا كانت من أصل أو بيت تعتبره الجماعة أكثر شرفاً وأعظم وجاهة. والمجال هنا أضيق من أن يتسع لأن أورد لك كل ما يقيمه المؤلف من البراهين والأدلة على ذلك مستشهداً بالكثير من وقائع الماضي وحوادث الحاضر. فالأولى أن أبعث إليك بالكتاب في الغد، وربما أتيح لي أن أجادلك قليلاً في موضوعاته وأبحاثه في دمشق بعد أن قرب موعد رجوعنا إليها. لقد بدأت نسمات لبنان تهب في الصباح والمساء باردة قاسية لا نستطيع أن نستقبلها وصدورنا عارية وقد شرع المصطافون يتفقدون من ضواحي البلد ما لم يزوروه بعد ويعدون معدات الرحيل والسفر.
ليس لديّ من حوادث جديدة أطرفك بها، ولعل أحدث ما لديّ منها هي أننا قضينا قسماً من ليلة الأمس في صوفر حيث حضرنا حفلة موسيقية في الفندق الكبير. ولا يذهب بك الظن أننا تفرنجنا كثيراً في هذه الحفلة فلقد جلس أبي مع رفاقه بعيداً عنا وانضممنا نحن إلى النساء المسلمات من قريباتنا ورفيقاتنا اللاتي عزلهن صاحب الفندق إرضاءً لرجالهن، عن بقية الحاضرات والحاضرين بجدار خشبي متحرك، فكنا في مجلسنا كالقطيع من الغنم يحوطه راعيه إذا جن الليل من قضبان الشجر فيأمن عليها من مهاجمة الذئاب له. على أن هذا لم يمنع الكثيرات منا أن يفلتن من الزريبة ليتحدثن إلى بعض رفيقاتهن من السيدات المسيحيات اللواتي جئنا معنا من بحمدون لحضور هذه الحفلة. وعلى الجملة فقد كانت السهرة أنيقة مفرحة طربت لها وذكرتك كثيراً فيها. ألا ترين بأنه قد آن لي أن أختم رسالتي؟. نقلت سلامك إلى والدتي فشكرتك فانقلي بدورك سلامنا إلى الوالدة والشقيقات وثقي دائماً بحبي لك وبقائي على عهدك.
- ما شاء الله يا باشا إنه مطر غزير لم تر مثيله دمشق منذ سنين!.
هتف بذلك الشيخ سعيد وهو يغلق الباب من ورائه بعد أن سلم ونفض ما علق على أكمام جبته وجوانبها من رشاش الغيث الذي كان يسمع من في القاعة صدى أنهماره على صحن الدار المتلألئة بأشعة الكهرباء ثم انتحى ناحية الموقد وأخذ مجلسه وهو يدير نظره في