بأعماله وبالمرتبة التي بلغها فهلاّ تزالين على رأيك فيه؟. فأطرقت صامتة ثم وجدت أن لا محيد لها عن التصريح بما فكرت به وصممت عليه فقالت نعم. ولكني لا أيد أن أتزوج به لأني أراني دونه في الكفاءة وأجده أعظم من أن يكون زوجاً لي. قال أنه وهم قام في نفسك. فأنت سليلة الأمجاد من الرجال وأن لك من الجمال والشباب والعلم والذكاء ما يحسدك عليه قريناتك من بنات الأغنياء في هذه المدينة وما يليها من الأصقاع. وإن ثروتي وكلها لك، وأن تكن أقل من ثروة خاطبك فهي مما لا يستهان به في مثل هذا البلد الذي نعيش فيه. قالت وقد زاد الحماس في جرأتها: ولذلك لا أريد من الأزواج من أخشى أن تتصاغر نفسي أمام عظمته وغناه وتضمحل مكانتي التي أخذتها عنك وأنا أحرص عليها في وجه شهرته الواسعة وصيته الذائع. ولقد غرس ما كنت تحدثنا به دائماً عن مواقفك من القواد من رؤسائك وأقرانك في نفسي ما يكفي لأن ينمي هذه العاطفة بي. وإني أفضل من الأزواج من هو دوني في الثروة والجاه فيحترمني ويعجب بمكانتي ويحمل في نفسه إجلالاً كبيراً لي على من يحبني ثم ما يلبث أن يدعوه خيلاؤه بعظمته وعجبه وبامتداد شهرته إلى استصغار أمري وإهمال شأني فيعيش معي وكله لنفسي ولغيري. وإن الفتيات من قريناتي اللواتي يحسدنني كما قلت لي على ما أنا فيه من نعمة يصبن كثيراً لو رأين رأيي فعشن زوجات عزيزات كما أفضل أن أعيش هنا.
وكأن هذه الكلمات أهاجت في نفس الأب كوامن العنجهية والشمم فمشت في أضلاعه رعشة من الحماس ورأى ابنته وقد خيل إليه أن روح شبابه قد بعثت فيها. فلقد كان وهو يصغي إلى حديثها يسمع صدى تلك الأنشودة في وصف الأنفة والإباء التي طالما رددها وما برح ولوعاً بنغمتها. وأطال نظره إليها محدقاً وهو كأنما ينظر إلى نفسه فيرضي عنها ويعجب بها.
وساد بينهما سكوت عميق عاد الأب في خلاله يمعن الفكر في سعادة هذه التي رأى فيها صورة نفسه فيستعرض في ذهنه صور خاطبيها جميعاً ويذكر من بينهم شاباً ليس من وجهاء المدينة ولا من أصحاب الثروات لكنه كثيراً ما أعجبه منه أدبه ودعته وكرم خلقه وها هو ذا يتخيله جالساً لجانب ابنته فخوراً بها حريصاً على راحتها ويتخيلها إلى جانبه سعيدة به هانئة بحياتها معه. فكر في ذلك فرفع بصره إليها وهو يقول لها: أن بين خاطبيك