وهو يعرف مما يعرف من شؤون الخاطب الجديد أنه شاب شريف المنبت عريق المحتد حسن الخلق والخلق ورث عن أبيه ثروة واسعة ضخمة وهو كريم من غير تبذير ولا إسراف نال حظاً وافراً من الثقافة والعلم بعد أن جاب أنحاء البلاد الأوربية باحثاً متتبعاً على مثال الطالب النابه وعاد إلى دمشق يعمل في سبيل الجماعة التي نشأ فيها عملاً جريئاً مخلصاً حتى ذاعت شهرته وتناقلت أندية السياسة والأدب في الشرق العربي وما يليه حديث أعماله المجيدة.
هذا ما كان يهمس به خاطر الأب الحنون قبل أن يستسلم للرقاد فيقول ويردد في نفسه ومن هو أجدر بمليحة من الشاب؟.
وطلع الصباح فجلس حميد باشا يحدث زوجه طروباً بما ينقله إليها من نبأ خطبة ابنتهما فتقول له فرحة للخبر مستبشرة به أنها كانت تأمل ذلك وتنتظره ولكنها لم تشأ أن تفضي به إلى ابنتهما قبل أن يتحقق ويتحدث الزوجان عن زواج ابنتهما القريب وعما سيعدان لها من جهاز فاخر وعن المسكن الذي ستسكنه والحياة الهانئة التي ستحياها فيسعدان بما يتراءى لهما من سعادتها وهنائها. وتذهب الأم لترى ابنتها وتسألها رأيها بهذا الخاطب الذي عهدتها من المعجبات به وينتظر الأب طويلاً فيراها تعود وليس في أسارير وجهها ما ينبئ بارتياحها لما سمعته من جواب الابنة فيستطلعها الأمر فتقول إن ابنتك لا تريد أن تتزوج. قال هذا ما اعتادت أن تقوله الفتيات في مثل هذا الموقف فهل لك أن تعودي إليها؟. قالت عبثاً حاولت فلقد أوشكت أن أضجرها بإلحاحي. قال وهو ينهض من مكانه سأتولى سؤالها بنفسي فدعيني وحدي وإياها ومشى حتى دخل على ابنته في مخدعها فهرعت لاستقباله وقد عرفت ما جاء من أجله فهي لا تكاد ترفع طرفها إليه حياءً منه، ونظر إليها فرآها بثوبها الأبيض الناعم وقامتها الهيفاء وقد لمست خيوط من أشعة الشمس شعرها الأشقر الذهبي فبدت وكأنها خيال الشاعر. فأخذ بيدها وقلبه يطفح حناناً وحباً وأجلسها إلى جانبه برفق وهو يقول لها: لا تحاولي أن تصرفيني عنك كما صرفت أمك ولا تجيبينني بما أجبتها به مما أملاه الحياء عليك. فلقد جئت بنفسي استطلعك رأيك فيما ارجوه لك من السعادة. أن للشاب الذي بعث يخطبك مني بالأمس من الشهرة والجاه والسمعة الطيبة والثروة الطائلة ما يكفيني مؤنة الحديث عنه وقد ذكرت لي أمك أنها كثيراً ما سمعتك تشيدين بذكره وتعجبين