منزله الداخلي حيث تسكن عائلته. وهتف بالخادمة العجوز يسألها عن زوجه وابنته فأعلمته بأنهما نامتا منذ قليل فيأوي إلى غرفته وهو حريص على أن ينعم لوحده بخبر ما اتصل به قبل أن يذيعه على ذويه.
نشأ حميد باشا في دمشق وشب فيها ثم اصطحبه أبوه القائد حين باشا إلى الأستانة فأدخله الجيش وما هي إلا سنوات أنقضت حتى أصبح من الضباط الذين تتردد أسماؤهم في أورقة الباب العالي وقاعاته. وزوجه أبوه بابنة صديقه القائد الشركسي عاصم باشا فوجد بها زوجاً صالحة حفظت ذمته ورعت عهده وأعانته بعد وفاة أبيه على المضي فيما طمح إليه حتى أصبح من أكب قادة العرب السوريين في الجيش العثماني ولقد أوشك أن يكون من ذوي الشأن العظيم في الدولة لولا عنجهية بقي أثرها في نفسه فلم تلتئم مع ما يطلبه عراك الرجال في قصر يلدز من اللين والنفاق والخبث. ولقد كان مع جل مواقفه أنوفاً تأبى عليه شخصيته القوت أن تضمحل أو تتصاغر أمام من هو أرفع منه درجة وأسمى مكانة. وزادت هذه العاطفة فيه نمواً حتى أنف حياة الجندية وانفصل عنها فعاد إلى وطنه القديم دمشق حيث خلف له أبوه ثروة طائلة من الضياع والأملاك بصبحة زوجه ووالداه وطائفة من جواريه وخدمه. وما هي إلا سنوات حتى ضربه الدهر ضربة قاصمة ذهبت بابنه الشاب وهو أشد ما يكون نضارة ونشاطاً، فبكاه بكاءً طويلاً مراً، ونالت منه المصيبة حتى أوشك أن يجد سبيلاً إلى السلوى لولا بقية من الأمل أحياها مع الأيام في نفسه ما بقي له من عزاء في ابنته مليحة، فزهد في كل شيء إلا التفكير في إسعادها وهنائها فانصرف إلى أجابة رغباتها والسهر على تعليمها وتربيتها وزاد في سلواه بها بعد أن بلغت العشرين من العمر إعجابه بما اجتمع فيها من جمال أمها الفاتن ونفس أبيها الأنوفة العزيزة. ولقد كان ولوعاً بالتقاليد القديمة محافظاً عليها لولا أن حبه لأبنته جعله يرضى بكل ما يظن فيه هناءها وسرورها حتى لو أنه رآها سائرة في شوارع دمشق وهي حاسرة نقابها عن وجهها لأختار تقد الناقدين من مواطنيه ونيلهم منه على كلمة عتب أو تأنيب يوجهها إليها. وانصرف همه كله إلى اختيار زوج لها، ومضت سنون وهو لا يكاد يجد بين خاطبيها الكثيرين من هو كفؤٌ لها جدير بإسعادها، حتى جاءه في مساءٍ هذا اليوم صديق له يستطلعه رأيه فيما إذا تقدم حسن بك الكندي يخطب ابنته. فاستهمل الرجل حتى يسأل زوجه وابنته