للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سنة مستحبة، بل غايته أن يقال: هذا مما ساغ فيه اجتهاد الصحابة، أو مما لا ينكر على فاعله لأنه مما يسوغ فيه الاجتهاد، لا لأنه سنة مستحبة سنها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته، أو يقال في التعريف: إنه لا بأس به أحيانًا لعارض إذا لم يجعل سنة راتبة.

وهكذا يقول أئمة العلم في هذا وأمثاله، تارة يكرهونه، وتارة يسوغون فيه الاجتهاد، وتارة يرخصون فيه إذا لم يُتخذ سنة.

ولا يقول عالم بالسنة: إن هذه سنة مشروعة للمسلمين، فإن ذلك إنما يقال فيما شرعه رسوله الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ ليس لغيره أن يسن ولا أن يشرع، وما سنه خلفاؤه الراشدون فإنما سنوه بأمره؛ فهو من سننه، ولا يكون في الدين واجبًا إلا ما أوجبه، ولا حرامًا إلا ما حرمه، ولا مستحبًا إلا ما استحبه، ولا مكروهًا إلا ما كرهه، ولا مباحًا إلا ما أباحه" (١) .

أما أقسام أفعاله - صلى الله عليه وسلم - فإنها على ثلاثة أقسام (٢) :

ذلك أن فعله - صلى الله عليه وسلم - لا يخلو إما أن يكون صدر منه بمحض الجبلة، أو صدر منه بمحض التشريع، وهذا قد يكون عامًا للأمة، وقد يكون خاصًا به - صلى الله عليه وسلم -. فهذه ثلاثة أقسام (٣) :

القسم الأول: الأفعال الجبلية: كالقيام، والقعود، والأكل، والشرب، فهذا


(١) "مجموع الفتاوى" (١/٢٨١ – ٢٨٢) .
(٢) انظر: "الفقيه والمتفقه" (١/١٣٠ – ١٣٢) ، و"قواعد الأصول" (٣٨، ٣٩) ، و"مختصر ابن اللحام" (٧٤) ، و"شرح الكوكب المنير" (٢/١٧٨، ١٧٩) ، و"أضواء البيان" (٥/٦٨) .
(٣) هناك قسم رابع وهو المحتمل للجبلي والتشريعي. وضابط هذا القسم: أن تقتضيه الجبلة البشرية بطبيعتها، لكنه وقع متعلقًا بعبادة بأن وقع فيها أو في وسيلتها، كالركوب إلى الحج ودخول مكة من كداء، فهذا قد اختلفوا فيه: هل هو مباح أو مندوب؟ ومنشأ الخلاف في ذلك تعارض الأصل والظاهر؛ فإن الأصل عدم التشريع، والظاهر في أفعاله التشريع؛ لأنه مبعوث لبيان الشرعيات، فمن رجح فعل ذلك والاقتداء به قال: ليس من الجبلي بل من الشرع، ومن رأى أن ذلك يحتمل الجبلي وغيره فيحمله على الجبلي. انظر: "شرح الكوكب المنير" (٢/١٨٠ – ١٨٣) ، و"أضواء البيان" (٥/٦٨، ٦٩) . وانظر: الأصل الثالث والرابع مما تقدم في هذا الموضوع (ص١٢٥) من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>