للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مفسدتها، بل مفسدتها معها، بخلاف الأقوال فإنه يمكن إلغاؤها وجعلها بمنزلة أقوال النائم والمجنون، فمفسدة الفعل الذي لا يباح بالإكراه ثابتة، بخلاف مفسدة القول؛ فإنها إنما تثبت إذا كان قائله عالمًا به مختارًا له (١) » .

وقد ذكر ابن قدامة ثلاثة شروط للإكراه (٢) :

الأول: أن يكون من قادر بسلطان أو تغلب كاللص ونحوه.

الثاني: أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به إن لم يجبه إلى ما طلبه.

الثالث: أن يكون مما يستضر به ضررًا كثيرًا؛ كالقتل والضرب الشديد.

١٠- الكفار مخاطبون إجماعًا بالإيمان الذي هو الأصل، وإنما وقع الخلاف في فروع الإيمان؛ كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة: هل هم مخاطبون بها أو لا (٣) ؟

وهذا الخلاف يتلاشى إذا ثبت لدينا اتفاق الطرفين على الأمور الآتية:

(الأمر الأول: أن الكافر غير مطالب بفعل الفروع حال كفره. يوضحه:

(الأمر الثاني: وهو أن فروع الإيمان لا تصح ولا تقبل ولا يثاب عليها الكافر إلا بتحصيل أصل الإيمان.

والدليل على هذين الأمرين قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: ٢٣] (٤) .

(الأمر الثالث: أن الكافر إذا أسلم لا يلزمه قضاء ما فاته من العبادات الماضية زمن كفره؛ لأن الإسلام يجب ما قبله.

(الأمر الرابع: أن الكافر مطالب بالفروع لكن مع تحصيل شرطها الذي هو الإيمان، وذلك لعموم الآيات والأوامر الإلهية؛ كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] .


(١) "زاد المعاد" (٥/ ٢٠٥، ٢٠٦) .
(٢) انظر: "المغني" (١٠/٣٥٣) .
(٣) انظر: "روضة الناظر" (١/١٤٥) وما بعدها، و"مجموع الفتاوى" (٢٢/٧ – ١٦) ، و"زاد المعاد" (٥/٦٩٨، ٦٩٩) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (٤٩) ، و"شرح الكوكب المنير" (١/٥٠٠) وما بعدها، و"نزهة الخاطر العاطر" (١/١٤٥) ، و"مذكرة الشنقيطي" (٣٣، ٣٤) .
(٤) انظر: "أضواء البيان" (٣/٣٥٣) .

<<  <   >  >>