للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قصده إليه (١) . وذلك مثل: "المأمور بالصلاة يجب عليه أولاً أن يعلم حقيقتها، وأنها جملة أفعال من قيام وركوع وسجود وجلوس يتخللها أذكار مخصوصة، مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم حتى يصح قصده لهذه الأفعال ويشرع فيها شيئًا بعد شيء. فلو لم يعلم ما حقيقة الصلاة لم يدر في أي فعل يشرع من أنواع الأفعال، فيكون تكليفه بفعل ما لم يعلم حقيقته تكليفًا بما لا يطاق" (٢) .

الشرط الثالث: أن يكون الفعل ممكنًا، ومقدورًا عليه؛ لأن المطلوب شرعًا حصولُ الفعل، ولا يمكن حصوله إلا بأن يكون متصور الوقوع، أما المحال فلا يتصور وقوعه (٣) .

هذه هي شروط الفعل المكلف به من حيث الجملة، وهناك تفاصيل لهذه الشروط يمكن إيضاحها في النقاط الآتية:

١- التكليف بما لا يطاق، أو التكليف بالمحال، قسمان (٤) :

أ- المستحيل لذاته: كالجمع بين الضدين، وهذا غير واقع في الشريعة، ولا يجوز التكليف به إجماعًا؛ لقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] ، وقوله: {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٣٣] .

ب- المستحيل لا لذاته: بل لتعلق علم الله بأنه لا يوجد، وذلك كإيمان أبي لهب فإن إيمانه بالنظر إلى مجرد ذاته جائز عقلاً الجواز الذاتي؛ لأن العقل يقبل وجوده وعدمه، ولو كان إيمانه مستحيلاً عقلاً لذاته لاستحال شرعًا تكليفه بالإيمان مع أنه مكلف به قطعًا إجماعًا. ولكن هذا الجائز عقلاً الذاتي مستحيل من جهة أخرى، وهي من حيث تعلق علم الله فيما سبق أنه لا يؤمن لاستحالة تغير ما سبق به العلم الأزلي. وهذا النوع من المستحيل يجوز التكليف به شرعًا وهو واقع بإجماع المسلمين.


(١) انظر: "روضة الناظر" (١/١٤٩) ، و"شرح الكوكب المنير" (١/٤٩٠) ، و"مذكرة الشنقيطي" (٣٤) .
(٢) "نزهة الخاطر العاطر" (١/١٤٩) .
(٣) انظر: "روضة الناظر" (١/١٥٠، ١٥٤) ، و"شرح الكوكب المنير" (١/٤٨٤) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (١٥٠) .
(٤) انظر: "مجموع الفتاوى" (٨/٢٩٥، ٣٠١، ٤٧٩) ، و"مذكرة الشنقيطي" (٣٧) .

<<  <   >  >>