للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتارة يذكر المفعول له، كقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: ٨٩] .

وتارة ينبه على السبب بذكره صريحًا، كقوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء: ١٦٠، ١٦١] .

فكان ذكر الشارع للعلة والأوصاف المؤثرة والمعاني المعتبرة في الأحكام القدرية الشرعية والجزئية للدلالة على تعلق الحكم بها أين وجدت، واقتضائها لأحكامها، وعدم تخلفها عنها إلا لمانع يعارض اقتضاءها ويوجب تخلف أثرها، ولتعدية الحكم بتعدي هذه العلل والأوصاف (١) .

وتعليل أفعال الله سبحانه لا يلزم منه – على مذهب السلف – القول بأنه يجب على الله رعاية مصالح العباد (٢) ؛ ذلك لأن السلف يثبتون لله كمال القدرة والحكمة، ولا يشبهونه بشيء من خلقه، ولأجل ذلك يقولون:

إن الله خالق كل شيء ومليكه، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو على كل شيء قدير، ويفعل سبحانه ما يفعل بأسباب ولحكم وغايات محمودة، فله المشيئة العامة، والقدرة التامة، والحكمة البالغة (٣) .

ولا يجب عليه سبحانه شيء فيما يحكم ويقضي؛ إذ لا يجوز قياسه على خلقه (٤) : {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣] ، لذا فإن القول: بأن العلة مجرد علامة محضة لا يصح، لكونه مبنيًا على إنكار التعليل في أفعال الله، بل العلة هي الوصف المشتمل على الحكمة الباعثة على تشريع الحكم (٥) .


(١) انظر: إعلام الموقعين" (١/١٩٦، ١٩٨) .
(٢) انظر مسألة رعاية مصالح العباد في: "الفصل" (٣/١٦٤) ، و"الملل والنحل" (١/٥٦) ، و"منهاج السنة" (١/٤٥١) ، و"مجموع الفتاوى" (٨/٩١، ٩٢) ، و"لوامع الأنوار" (١/٣٢٩) ، و"الحكمة والتعليل في أفعال الله" (١١٥) .
(٣) انظر: "مجموع الفتاوى" (٨/٩٧، ٩٩) ، و"شفاء العليل" لابن القيم (٢٠٦) .
(٤) انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم" (٢/٧٧٦) .
(٥) انظر: "مجموع الفتاوى" (٨/٤٨٥) ، و"مذكرة الشنقيطي" (٢٧٥) ، وانظر (ص١٩٤) من هذا الكتاب فيما يتعلق بتعريف العلة.

<<  <   >  >>