للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حدث بعد ذلك» (١) .

الأمر الثالث: مراعاة السياق ومقتضى الحال والنظر في قرائن الكلام عند تفسير ألفاظ الكتاب والسنة (٢) .

ذلك أن دلالة الألفاظ تختلف حسب الإطلاق والتقييد، والاقتران والتجريد.

فلفظ الفقير مثلاً إذا أُطلق دخل فيه المسكين كقوله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢٧١] .

وكذلك لفظ المسكين إذا أُطلق دخل فيه الفقير كقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٨٩] . أما إذا قرن بينهما أحدهما فأحدهما غير الآخر، كقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] .

قال ابن تيمية: «والاسم كلما كثر التكلم فيه، فتكلم به مطلقًا ومقيدًا بقيد، ومقيدًا بقيد آخر في موضع آخر؛ كان هذا سببًا لاشتباه بعض معناه ثم كلما كثر سماعه كثر من يشتبه عليه ذلك.

ومن أسباب ذلك: أن يسمع بعض الناس بعض موارده ولا يسمع بعضه، ويكون ما سمعه مقيدًا بقيد أوجبه اختصاصه بمعنى، فيظن معناه في سائر موارده كذلك.

فمن اتبع علمه حتى عرف مواقع الاستعمال عامة، وعلم مأخذ الشبه أعطى كل ذي حق حقه، وعلم أن خير الكلام كلام الله، وأنه لا بيان أتم من بيانه» (٣) .

وكذلك لا بد من التفريق بين الكلام الذي اتصل به ما يقيده وبين الكلام العام المطلق.

فلو قال قائل: والله لا أسافر. وسكت سكوتًا طويلاً ثم وصله باستثناء، أو عطف، أو وصف، أو غير ذلك، لم يؤثر.

ولو قال: والله لا أسافر إلى المكان الفلاني لتقيدت يمينه بهذا القيد اتفاقًا (٤) .


(١) "مجموع الفتاوى" (٧/١٠٦) . وانظر: "جلاء الأفهام" (٢١٧) .
(٢) انظر: "مجموع الفتاوى" (٧/١٦٢) وما بعدها، و (١٣/٣٩) .
(٣) "مجموع الفتاوى" (٧/٣٥٦، ٣٥٧) .
(٤) انظر المصدر السابق (٣١/١١٠، ١١١) .

<<  <   >  >>