للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلا يقال: لو خلق الخلق لعلة وحكمة ومصلحة لكان ناقصًا بدونها مستكملاً بها (١) ؛ لأن الله سبحانه وتعالى له الغنى المطلق، فهو الغني عن كل ما سواه من كل وجه، وكل ما سواه فقير إليه من كل وجه (٢) .

- القاعدة الرابعة: أن أفعال الله سبحانه وتعالى معللة بالحكم ورعاية المصالح، فجميع الأوامر والنواهي مشتملة على حكم باهرة ومصالح عظيمة، كيف والقرآن والسنة مملوءان من تعليل الأحكام والتنبيه على وجوه الحكم التي لأجلها شرع تلك الأحكام ولأجلها خلق تلك الأعيان (٣) .

فمن الأمثلة على ذلك في القرآن (٤) :

أنه تارة يذكر ذلك بلام التعليل الصريحة (٥) ، كقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: ١٤٣] .

وتارة يذكر "كي" الصريحة في التعليل، كقوله تعالى: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧] .

وتارة يذكر «من أجل» الصريحة في التعليل كقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: ٣٢] .

وتارة يذكر "لعل" المتضمنة للتعليل المجردة عن معنى الرجاء المضاف إلى المخلوق، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٨٣] .


(١) انظر: المسائل الخمسون" (٥٢) ، "والمواقف" للإيجي (٣٣١، ٣٣٢) .
(٢) انظر: "مجموع الفتاوى" (٨/٣٧٩) .
(٣) انظر: "شفاء العليل" لابن القيم (١٩٠) ، و"مفتاح دار السعادة" (٢/٢٢) ، و"مذكرة الشنقيطي" (٢٧٥) .
(٤) انظر: مفتاح دار السعادة" (٢/٢٢) ، و"شفاء العليل" لابن القيم (١٨٨ – ١٩٦) .
(٥) أنكر نفاة التعليل أن توجد في القرآن لام تعليل في فعل الله وأمره، وهذا مبني على قولهم: إن الله لا يأمر بشيء لحصول مصلحة ولا دفع مفسدة، بل ما يحصل من مصالح العباد ومفاسدهم لسبب من الأسباب فإنما خلق ذلك عندها لا بها، لا أنه سبحانه يخلق هذا لهذا، وهذا مخالف لمذهب السلف لأن الله أخبر في كتابه أنه فعل كذا لكذا وأنه أمر بكذا لكذا، كقوله تعالى: {ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض} [المائدة: ٩٧] . انظر: "مجموع الفتاوى" (٨/٣٧٧) ، و"شفاء العليل" لابن القيم (١٩٠) .

<<  <   >  >>