للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيم بعد أن قرر ما مضى:

«ولا منافاة بين هذين الأمرين لمن شرح الله صدره للإسلام، وإنما يتنافيان عند أحد رجلين: جاهل بمقدار الأئمة وفضلهم، أو جاهل بحقيقة الشريعة التي بعث الله بها رسوله.

ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون منه الهفوة والزلة، هو فيها معذور، بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يُتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين» (١) .

(الأمر الثاني: حكم التزام مذهب معين من المذاهب الفقهية المعروفة.

قال ابن القيم: «وهل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة أم لا؟ فيه مذهبان:

أحدهما: لا يلزمه. وهو الصواب المقطوع به؛ إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده دينه دون غيره، وقد انطوت القرون الفاضلة مبرأة، مبرأ أهلها من هذه النسبة» (٢) .

فتبين بذلك أن التزام مذهب معين لا يجوز، هذا هو الأصل.

إلا أن هذا ليس على إطلاقه، بل قد يجوز التزام مذهب معين في أحوال معينة، منها:

١- إذا لم يستطع العبد أن يتعلم دينه إلا بالتزام مذهب معين (٣) .

٢- أن يترتب على التزام مذهب معين دفُع فسادٍ عظيمٍ لا يتحقق دفعه إلا بذلك (٤) .

وعلى كل فالضابط لجواز التزام مذهب معين النظر في المصالح والمفاسد، فإن كان في الالتزام بمذهبٍ معينٍ تحقيق لمصالح عظمى جاز ذلك.


(١) "إعلام الموقعين" (٣/٢٨٣) .
(٢) "إعلام الموقعين" (٤/٢٦١، ٢٦٢) .
(٣) انظر: "مجموع الفتاوى" (١١/٥١٤، ٢٠/٢٠٩) .
(٤) انظر المصدر السابق.

<<  <   >  >>