للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا في الأمر والنهي، فقد انسلخوا من الإيمان والعقل انسلاخًا تامًا، وهذا قدح في النبوات والشرائع، بل قدح في العقل الصحيح.

وإن فرقوا وقالوا: إن اليقين يحصل في كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في باب المعاد، والأمر والنهي، دون باب الخبر عن الله وصفاته. فجوابهم ما يجيبون به من قال: إن اليقين لا يحصل حتى في باب المعاد (١) .

د- أن دلالة الأدلة اللفظية لا تختص بالقرآن والسنة، بل جميع بني آدم يدل بعضهم بعضًا بالأدلة اللفظية، فالنطق ذاتي، والإنسان مدني بالطبع لا يمكنه أن يعيش وحده، فلا بد أن يعرف بعضهم مراد بعض ليحصل التعاون.

وهذا التفاهم والتعاون أمر ضروري لابد منه في حياة بني آدم، ثم إننا نعلم قطعًا أن جميع الأمم يعرف بعضها مراد بعض ويقطع به بلفظه.

وكذلك فإن معرفة الناس لمراد بعضهم بواسطة الكلام أعظم من المعرفة بواسطة العلوم العقلية.

بل إن العلوم العقلية لا يعرفها كل أحد، بخلاف الكلام الذي يعرف به كل أحد مراد غيره. وكذلك فإن التعريف بالأدلة اللفظية أصل للتعريف بالأدلة العقلية، فمن لم يكن له سبيل إلى العلم بمدلول الألفاظ لم يكن له سبيل إلى العلم بمدلول الأدلة العقلية، وحينئذٍ فالقدح في حصول العلم بمدلول الأدلة اللفظية قدح في حصول العلم بالأدلة العقلية، فلا يحصل العلم إذن (٢) .

٨- بطلان القول بأن الفقه كله أو أكثره ظنون:

القول بأن الفقه أكثره ظنون، قول باطل، بل الصواب أن الفقه أكثره قطعي، والقليل منه ظني، وبيان ذلك من وجوه (٣) :

أ- أن جمهور مسائل الفقه التي يحتاج إليها الناس ويفتون بها ثابتة بالنص أو الإجماع، وإنما يقع الظن والنزاع في قليل مما يحتاج إليه الناس، بل كثير من المسائل المختلف فيها إما قليلة الوقوع أو مقدرة.


(١) انظر: "الصواعق المرسلة" (٢/٦٧٧، ٦٧٨) .
(٢) انظر المصدر السابق (٢/٦٤١، ٦٤٣) .
(٣) انظر: "مجموع الفتاوى" (١٢/١١٨، ١١٩) .

<<  <   >  >>