للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا أريد بالإصابة إصابة الحق فهذا لا يتضح إلا بعد معرفة: هل الحق عند الله واحد أو متعدد؟

فإن كان الحق عند الله واحدًا فلا شك أن بعض المجتهدين مصيب وبعضهم مخطئ، وإن كان الحق عند الله متعددًا فكل مجتهد مصيب غير مخطئ. وبيان هذا موضعه في الجانب الأول.

وإذا أريد بالإصابة إصابة الأجر وانتفاء الإثم عن المجتهدين فهذا يحتاج إلى تفصيل، وهذا بيانه في الجانب الثاني.

الجانب الأول: هل الحق عند الله واحد أو متعدد؟

طرح الإمام الشافعي هذا السؤال ثم أجاب عليه، قال رحمه الله: «فإن قال قائل: أرأيت ما اجتهد فيه المجتهدون كيف الحق فيه عند الله؟ قيل: لا يجوز فيه عندنا - والله تعالى أعلم – أن يكون الحق فيه عند الله كله إلا واحدًا؛ لأن علم الله عز وجل وأحكامه واحدٌ لاستواء السرائر والعلانية عنده، وأن علمه بكل واحدٍ جل ثناؤه سواء» (١) .

وقد بوب ابن عبد البر لذلك، فقال: «باب ذكر الدليل في أقاويل السلف على أن الاختلاف خطأ وصواب» (٢) .

وبعد أن ذكر آثارًا في ذلك، قال رحمه الله: «هذا كثير في كتب العلماء، وكذلك اختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم من المخالفين (٣) وما رد بعضهم على بعض؛ لا يكاد يحيط به كتاب، فضلاً عن أن يُجمع في باب، وفيما ذكرنا منه دليل على ما عنه سكتنا، وفي رجوع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضهم إلى بعض، ورد بعضهم على بعض دليل واضح على أن اختلافهم عندهم خطأ وصواب.

ولذلك كان يقول كل واحد منهم: جائز ما قلت أنت، وجائز ما قلت أنا، وكلانا نجم يُهتدي به، فلا علينا شيء من اختلافنا.


(١) "إبطال الاستحسان" (٤١) .
(٢) "جامع بيان العلم وفضله" (٢/٨٥) .
(٣) في الأصل: "المخالفين". والتصويب من الطبعة المحققة: (٢/٩١٩) "تحقيق أبي الأشبال الزهيري"

<<  <   >  >>