للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويجلي ابن القيم موقف الإمام الشافعي، فيقول: "الشافعي يبالغ في رد الاستحسان، وقد قال به في مسائل:

أحدها: أنه استحسن في المتعة في حق الغني أن يكون خادمًا، وفي حق الفقير مقنعة (١) ، وفي حق المتوسط ثلاثين درهمًا" (٢) .

وبذلك يتبين أن الشافعي إنما أنكر الاستحسان بمعنى القول بدون علم بالهوى والتشهي، أما إن كان الاستحسان بمعنى يوافق الكتاب والسنة، فإن الشافعي نفسه يقول به على النحو الذي يذكره ابن القيم.

٣- موقف الإمام أبي حنيفة من الاستحسان: نسب إلى الإمام أبي حنيفة القول بالاستحسان الذي بمعنى القول بدون علم، وهذه النسبة باطلة لا تصح، إذ العلماء كافة مجمعون على تحريم القول بدون علم، بل إن أبا يوسف (٣) يقول عن أبي حنيفة لما رحل بعد موته إلى الحجاز واستفاد سننًا لم تكن معلومة عندهم في الكوفة: "لو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت".

وذلك لعلم أبي يوسف بأن صاحبه ما كان يقصد إلا اتباع الشريعة، لكن قد يكون عند غيره من علم السنن ما لم يبلغه (٤) .

فالمقصود أن أبا حنيفة يقول بالاستحسان الذي بمعنى تقديم النص على القياس، وهذا حق، وهو ينكر الأخذ بالاستحسان الذي بمعنى العمل بالرأي في مقابلة النص (٥) .


(١) المقنعة والقناع: ما تتقنع به المرأة من ثوب تغطي به رأسها ومحاسنها. انظر: "لسان العرب" (٨/٣٠٠) .
(٢) "بدائع الفوائد" (٤/٣٢) .
(٣) هو: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب، أبو يوسف القاضي، صاحب أبي حنيفة، أخذ عن أبي حنيفة وولي القضاء لثلاثة من الخلفاء: المهدي والهادي، والرشيد، وقيل: إنه أول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة، وقد بث علم أبي حنيفة في الأقطار، من كتبه "الأمالي"، و"الخراج"، توفي سنة (١٨٢هـ) . انظر: "تاج التراجم" (٣١٥) ، و"شذرات الذهب" (١/٢٩٨) .
(٤) انظر: "مجموع الفتاوى" (٤/٧٤) .
(٥) مما يدل على ذلك قول أبي حنيفة: "لا تأخذوا بمقاييس زفر، فإنكم إن أخذتم بمقاييسه حرمتم الحلال وحللتم الحرام". "مجموع الفتاوى" (٤/٤٧) .

<<  <   >  >>