قبحه له علة وحكمة يعلمها الله – والواجب التسليم لشرع الله – فإن من صفاته العلم والحكمة، وهذا يقتضي أيضًا أنه لا يجوز عليه سبحانه أن يأمر بالظلم وينهي عن العدل، لكمال حكمته سبحانه.
٣- أن ما عُرف حسنُه وقبحُه بطريق العقل والفطرة لا يترتب عليه مدح ولا ذم، ولا ثواب ولا عقاب ما لم تأتِ به الرسل؛ لأن الدليل الشرعي إنما أثبت المدح والذم والثواب والعقاب على من قامت عليهم الحجة بالرسل والكتب، فالمدح والذم والثواب والعقاب إنما يترتب على ما عُرف حسنه وقبحه بطريق الشرع فقط.
وبهذا التفصيل يتبين لنا أن مذهب أهل السنة وسط بين الطرفين، وبيان ذلك كالآتي:
هـ- مذهب أهل السنة وسط بين الطرفين (١) :
ذلك أن المعتزلة الذين أثبتوا التحسين والتقبيح العقليين ارتكبوا عدة محاذير عندما قالوا: إن العقل يحسن ويقبح:
المحذور الأول: أنهم مجدوا العقل وجعلوا ما أدركته عقولهم أصلاً قاطعًا، فالحسن ما حسنته عقولهم والقبيح ما قبحته عقولهم، والشرع عندهم إنما هو كاشف عن حكم العقل.
والمحذور الثاني: أنهم رتبوا على تحسين العقل وتقبيحه أن أوجبوا على الله فعل الأصلح، وهو الأمر بما حسنته عقولهم والنهي عما قبحته.
والمحذور الثالث: أنهم رتبوا على تحسين العقل: المدح والثواب، وعلى تقبيحه: الذم والعقاب، ومعلوم أن المدح والذم والثواب والعقاب مما لا يدرك إلا بالسمع المجرد.
والمحذور الرابع: أنهم شبهوا الله سبحانه وتعالى بخلقه، وذلك أنهم قالوا: ما حَسُنَ من المخلوق حَسُنَ من الخالق، وما قَبُحَ من المخلوق قَبُحَ من الخالق، ومن المعلوم أنه سبحانه لكمال حكمته لا يقبح منه شيء أبدًا، ولا يجوز أيضًا تشبيه الله بخلقه، لا في صفاته، ولا في أسمائه، ولا في أفعاله.