للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: ١٩٢ – ١٩٥] .

وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} [الرعد: ٣٧] ، وبغير ذلك من الآيات، ثم قال: "فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه جل ثناؤه كل لسانٍ غير لسان العرب، في آيتين من كتابه:

فقال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: ١٠٣] .وقال: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: ٤٤] " (١) ، وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم (٢) . ولا يُشكل على كون القرآن عربيًا وجود بعض الكلمات الأعجمية فيه، مثل: المشكاة، والإستبرق؛ إذ يمكن حمل هذه الألفاظ التي يقال: إنها أعجمية على واحدٍ من الوجوه الآتية:

أولاً: أن هذه الألفاظ إنما هي عربية لكن قد يجهل بعض الناس كون هذه الألفاظ عربية، ذلك أن لسان العرب أوسع الألسنة مذهبًا وأكثرها ألفاظًا، ولا يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، ولا يمتنع أن يوافق لسان العجم أو بعضها قليلاً من لسان العرب، كما يتفق القليل من ألسنة العجم المتباينة في أكثر كلامها مع تنائي ديارها واختلاف لسانها (٣) .

ثانيًا: أن هذه الألفاظ التي يقال: إنها أعجمية لا يمتنع أن تكون عربية، وأن يكون لها معنى آخر في لغة أخرى، فمن نسبها إلى العربية فهو محق، ومن نسبها إلى غيرها فهو محق (٤) .

ثالثًا: أن هذه الألفاظ أصلها غير عربي ثم عربتها العرب واستعملتها؛ فصارت من لسانها وإن كان أصلها أعجميًا (٥) .


(١) "الرسالة" (٤٧) .
(٢) انظر: "جامع البيان للطبري" (١/٧) ، و"روضة الناظر" (١/١٨٥) ، و"المدخل" لابن بدران (٨٨) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (١/١٨٤) ، و"مذكرة الشنقيطي" (٦٢) .
(٣) انظر: "الرسالة" (٤٢ – ٤٥) .
(٤) انظر: "جامع البيان للطبري" (١/٨ – ١٠) ، و"مذكرة الشنقيطي" (٦٢) .
(٥) انظر: "روضة الناظر" (١/١٨٥) ، و"قواعد الأصول" (٣٦) .

<<  <   >  >>