للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن حكمته سبحانه وتعالى في النسخ (١) :

أولاً: الرحمة لخلقه والتخفيف عنهم والتوسعة عليهم، كما قال تعالى: {يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: ٢٨] ، وهذه الحكمة تتضح في نسخ الأثقل بالأخف، مثل نسخ وجوب مصابرة المسلم عشرة من الكفار المنصوص عليه في قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: ٦٥] ، بمصابرة المسلم اثنين من الكفار المنصوص عليه في قوله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: ٦٦] .

ثانيًا: تكثير الأجر للمؤمنين وتعظيمه لهم، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠] ، وهذه الحكمة تتضح في نسخ الأخف بالأثقل، كنسخ التخيير بين الصوم والإطعام في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: ١٨٤] ، بتعيين إيجاب الصوم في قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] .

ثالثًا: أن يكون النسخ مستلزمًا لحكمة خارجة عن ذاته، وذلك فيما إذا كان الناسخ مماثلاً للمنسوخ، كنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال بيت الله الحرام وهما جهتان كلتاهما تُماثل الأخرى ولا فرق بينهما في حد ذاتيهما، إلا أن الناسخ الذي هو استقبال بيت الله الحرام يستلزم حكمة بالغة وهي دفع حجة اليهود وحجة المشركين على النبي - صلى الله عليه وسلم -.

فاليهود يحتجون عليه بقولهم: تعيب ديننا وتصلي لقبلتنا، ويحتجون أيضًا بأن عندهم في كتابهم أنه - صلى الله عليه وسلم - يؤمر باستقبال بيت المقدس ثم يحول إلى بيت الله الحرام.

والمشركون يقولون: تدعي أنك على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وتصلي لغير قبلته، وقد أشار الله سبحانه إلى هذه الحكم بقوله: {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البقرة: ١٥٠] .


(١) انظر: "الرسالة" (١٠٦) ، و"الفقيه والمتفقه" (١/٨٣) ، و"أضواء البيان" (٣/٣٦٤ – ٣٦٦) ، و"رحلة الحج" (٥٩ – ٦٢) .

<<  <   >  >>