للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(الأصل السادس: أن الشرع جاء بتقرير ما هو مستقر في الفطر والعقول –ومن ذلك تحسين الحسن والأمر به، وتقبيح القبيح والنهي عنه– فلا تعارض بين الشرع والعقل، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: ١٤] .

قال ابن القيم: "وأنه [أي الشرع] لم يجئ بما يخالف العقل والفطرة، وإن جاء بما يعجز العقول عن أحواله والاستقلال به، فالشرائع جاءت بمحارات (١) العقول لا محالاتها، وفرق بين ما لا تُدرك العقولُ حسنه وبين ما تشهد بقبحه، فالأول مما يأتي به الرسل دون الثاني" (٢) .

(الأصل السابع: أن العقل لا مدخل له في إثبات الأحكام الشرعية، ولا في تعلق المدح والذم بالأفعال عاجلاً أو تعلق الثواب والعقاب بها آجلاً، وإنما طريق ذلك السمع المجرد (٣) .

د- تفصيل مذهب أهل السنة:

يمكن إيضاح مذهب أهل السنة في هذه المسألة وأدلتهم عليه في ثلاث نقاط (٤) :

١- أن الحسن والقبح صفات ثابتة للأفعال، وهذا الثبوت قد يكون بطريق العقل، وقد يكون بطريق الفطرة، وقد يكون بطريق الشرع، فالعقل والفطرة يحسنان ويقبحان، ولا يمكن أن يأتي الشرع على خلاف ذلك، والشرع أيضًا يحسن ويقبح فكل ما أمر به الشرع فهو حسن، وكل ما نهى عنه فهو قبيح. فثبت إذن أن الحسن والقبح قد يعرفان بالعقل، وقد يعرفان بالفطرة، وقد يعرفان بالشرع.

٢- أن ما أدرك العقلُ أو الفطرة حسنه أو قبحه فحكمته معلومة لدينا ولا شك، أما ما عرف حسنه وقبحه بطريق الشرع فقد تغيب حكمته وعلته عن عقولنا القاصرة، ولكن الأمر الذي لا شك فيه أن جميع ما حسنه الشرع أو


(١) في الأصل: "بمجازات" وهو محتمل.
(٢) "مفتاح دار السعادة" (٢/٥٩) .
(٣) انظر المصدر السابق (٢/٤٤) . وانظر (ص٣٥٥) ، وما بعدها من هذا الكتاب فيما يتعلق بهذا الأصل.
(٤) انظر: "مجموع الفتاوى" (٨/٩٠، ٤٢٨، ٤٣١) ، و"مفتاح دار السعادة" (٢/٧، ١٢، ٤٣، ٥٧، ٥٩) ، و"الحكمة والتعليل في أفعال الله" (٨٩ – ٩١) .

<<  <   >  >>