للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- لا بد من التفريق بين الاتباع والتقليد.

ذلك أن الاتباع هو اتباع الدليل والعمل بالوحي، فقد سمى الله العمل بالوحي اتباعًا في مواضع كثيرة، منها:

قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: ٣] ، {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [الأنعام: ١٠٦] ، {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: ١٥٥] .

فمحمل الاتباع إذن هو كل حكم ظهر دليله من الكتاب أو السنة أو الإجماع.

أما محل التقليد فهو محل الاجتهاد، فلا اجتهاد ولا تقليد في نصوص الوحي الصحيحة، الواضحة الدلالة، السالمة من المعارض (١) .

ولا يشترط في الاتباع والعمل بالوحي سوى العلم بما يعمل، ولا يتوقف ذلك على تحصيل شروط الاجتهاد، كما تقدم التنبيه على ذلك (٢) .

٣-الصحيح أن إيمان المقلد معتبر، ولا يشترط في الإيمان النظر والاستدلال (٣) .

فإن الصحابة رضي الله عنهم فتحوا البلاد وقبلوا إيمان العجم والأعراب والعوام وإن كان تحت السيف أو تبعًا لكبير منهم أسلم، ولم يأمروا أحدًا منهم بترديد نظرً، ولا سألوه عن دليل تصديقه، ولا أرجئوا أمره حتى ينظر.

ولأنه يجب على كل أحدٍ أن يؤمن بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - إيمانًا عامًا مجملاً، أما معرفة ذلك على وجه التفصيل فهو فرض كفاية على المؤمنين.

وما يجب على أعيانهم فهو يتنوع بتنوع قدرهم، وحاجتهم، ومعرفتهم، وما أمر به أعيانهم، ولا يجب على العاجز عن سماع بعض العلم أو عن فهم دقيقه ما يجب على القادر على ذلك.


(١) انظر (ص ٤٧٥) من هذا الكتاب فيما يتعلق بسقوط الاجتهاد عند وجود النص.
(٢) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (٢/١٠٩) وما بعدها، و"إعلام الموقعين" (٢/١٩٠، ٢٠٠، ٢٠١) ، و"أضواء البيان" (٧/٥٤٧ – ٥٥٠) وانظر (ص٤٦٨) فقرة رقم (٥) من هذا الكتاب.
(٣) انظر: "النبوات" لابن تيمية (٦١، ٦٢، ٦٩، ٧٢) ، و"مجموع الفتاوى" (١٩/١١٨، ١١٩) ، و"شرح العقيدة الطحاوية" (٦٦، ٦٧) ، و"لوامع الأنوار" (١/٢٧٠) .

<<  <   >  >>