للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- القاعدة الأولى: أن الله قادر على كل شيء، وأنه سبحانه له الإرادة التامة والمشيئة النافذة، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يجوز أن يكون شيء من الأعمال خارجًا عن قدرته ومشيئته.

وعلى ذلك أجمع الرسل والكتب المنزلة، وعليه دلت الفطرة التي فطر الله خلقه عليها، وهذا عموم التوحيد الذي لا يقوم إلا به، والمسلمون مجمعون على ذلك وخالفهم في ذلك من ليس منهم.

والقرآن مملوء بإثبات المشيئة لله وحده، لقوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: ٦٨] ، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} [الإنسان: ٣٠] (١) .

- القاعدة الثانية: أن الله سبحانه ربط الأسباب بمسبباتها شرعًا وقدرًا، فجعل المعاصي سببًا لدخول النار (٢) .

وهذه الأسباب وما لها من تأثير وقوة هي طوع مشيئته سبحانه وإرادته وتجري تحت حكمه جل شأنه، فلا يجوز أن تستقل هذه الأسباب بالفعل والتأثير دون مشيئته (٣) ، بل التعلق بالسبب دونه كالتعلق ببيت العنكبوت مع كونه سببًا.

فالواجب الصعودُ من الأسباب إلى مسببها والتعلق به سبحانه دونها.

فالالتفات إلى الأسباب بالكلية شرك منافٍ للتوحيد.

وإنكار أن تكون الأسباب أسبابًا بالكلية قدح في الشرع والحكمة.

والإعراض عن الأٍسباب مع العلم بكونها أسبابًا، نقصان في العقل (٤) .

والقرآن مملوء من إثبات الأسباب كقوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (١١/٣٥٤) ، و"شفاء العليل" لابن القيم (٤٣ – ٤٥، ١٨٨) .
(٢) انظر: "شفاء العليل" لابن القيم (١٨٨، ١٨٩) .
(٣) الناس في الأسباب طرفان ووسط، طرف بالغ في نفيها وإنكارها فأضحك العقلاء على عقله زاعمًا أنه بذلك ينصر الشرع فجنى على العقل والشرع، وهم الأشاعرة. وطرف بالغ في إثباتها حتى قال: إنها مؤثرة بنفسها دون أمر الله، وهم المعتزلة. والوسط وهو مذهب السلف: أن الأسباب مؤثرة بأمر الله. انظر: "مدارج السالكين" (١/٢٦٧) ، و"شفاء العليل" لابن القيم (١٨٩) ، و"إعلام الموقعين" (٢/٢٩٨، ٢٩٩) .
(٤) انظر: "مجموع الفتاوى" (٨/٧٠) ، و"مدارج السالكين" (١/٢٦٧، ٢٦٨) .

<<  <   >  >>