للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يصد لكم» (١) . فحرم على المحرم الأكل بناء على قصد الصائد ونيته.

قال ابن القيم: «فالنية روح العمل ولبه وقوامه، وهو تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال كلمتين كفتا وشفتا، وتحتهما كنوز العلم، وهما قوله: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (٢)

فبين في الجملة الأولى أن العمل لا يقع إلا بالنية، ولهذا لا يكون عمل إلا بنية، ثم بين في الجملة الثانية أن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه، وهذا يعم العبادات والمعاملات والأيمان والنذور وسائر العقود والأفعال» (٣) .

١٩- أن الأحكام الشرعية لا تكون مخالفة للعقول والفطر.

قال ابن القيم: «بل أخبارهم [أي الرسل] قسمان:

أحدهما: ما تشهد به العقول والفطر.

الثاني: ما لا تدركه العقول بمجردها، كالغيوب التي أخبروا بها عن تفاصيل البرزخ واليوم الآخر، وتفاصيل الثواب والعقاب. ولا يكون خبرهم محالاً في العقول أصلاً. وكل خبر يظن أن العقل يحيله فلا يخلو من أحد أمرين:

إما أن يكون الخبر كذبًا عليهم، أو يكون ذلك العقل فاسدًا، وهو شبهة خيالية يظن صاحبها أنها معقول صريح؛ قال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: ٦] .

وقال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: ١٩] . وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} [الرعد: ٣٦] ، والنفوس لا تفرح بالمحال، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: ٥٧، ٥٨] ، والمحال


(١) رواه أبو داود (٢/١٧١) برقم (١٨٥١) ، والنسائي (٥/ ١٨٧) والترمذي واللفظ له (٣/٢٠٤) برقم (٨٤٦) ، وقال: "وقال الشافعي: هذا أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس. والعمل على هذا، وهو قول أحمد وإسحاق".
(٢) رواه البخاري (١/٩) برقم (١) .
(٣) "إعلام الموقعين" (٣/١١١) .

<<  <   >  >>