للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والكلام على هذا المبحث في النقاط الآتية:

١- المراد بتعارض الأدلة: تقابل الدليلين على سبيل الممانعة، وذلك إذا كان أحد الدليلين يدل على خلاف ما يدل عليه الآخر، كأن يدل أحد الدليلين على الجواز والآخر على المنع، فدليل الجواز يمنع التحريم ودليل التحريم يمنع الجواز؛ فكل منهما مقابل للآخر ومعارض له وممانع له (١) .

٢- قد يكون التعارض بين الدليلين كليًا أو جزئيًا فإن كان التعارض بين الدليلين من كل وجه بحيث لا يمكن الجمع بينهما فهذا هو التناقض، وهو التعارض الكلي. أما إذا كان التعارض بين الدليلين من وجه دون وجه بحيث يمكن الجمع بينهما بوجه من الوجوه فهذا هو التعارض الجزئي.

وقد قرر العلماء أنه لا تناقض بين القضيتين إذا اختلف زمنهما لاحتمال صدق كل منهما في وقتها؛ لأنه يشترط في التناقض اتحاد القضيتين في الوحدات الثمان التي منها الزمان والمكان والشرط والإضافة.

فلا تناقض إذن بين الناسخ والمنسوخ، ولا بين العام والخاص، ولا بين المطلق والمقيد، وعلى وجه العموم حيث أمكن الجمع فلا تناقض، إذ التناقض هو الذي يستحيل معه الجمع بوجه من الوجوه، أما إن أمكن الجمع فإن هذا من قبيل التعارض الجزئي (٢) .

٣- كتاب الله سالم من الاختلاف والاضطراب والتناقض؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد فهو حق من حق، قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢] ، ولهذا مدح الله تعالى الراسخين في العلم حيث قالوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧] ؛ أي: محكمه ومتشابهه حق (٣) .

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضًا، بل يصدق بعضه


(١) انظر: "الرسالة" (٣٤٢) ، و"شرح الكوكب المنير" (٤/٦٠٥) .
(٢) انظر: "أضواء البيان" (٢/٢٥٠، ٢٥١) .
(٣) انظر: "الفقيه والمتفقه" (١/٢٢١) ، و"إعلام الموقعين" (٢/٢٩٤) ، و"تفسير ابن كثير" (١/٥٤٢) .

<<  <   >  >>