للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كتركه قتال مانعي الزكاة، فهذا الترك لا يكون سنة، بل إذا قام المقتضي ووجد (١) كان فعل ما تركه - صلى الله عليه وسلم - مشروعًا غير مخالف لسنته، كقتال أبي بكر - رضي الله عنه - لمانعي الزكاة، بل إن هذا العمل يكون من سنته لأنه عمل بمقتضى سنته - صلى الله عليه وسلم -.

الحالة الثانية: أن يترك - صلى الله عليه وسلم - الفعل مع وجود المقتضي له بسبب قيام مانع، كتركه - صلى الله عليه وسلم - فيما بعد قيام رمضان جماعة بسبب خشيته أن يُكتب على أمته؛ فهذا الترك لا يكون سنة، بل إذا زال المانع بموته - صلى الله عليه وسلم - كان فعل ما تركه - صلى الله عليه وسلم - مشروعًا غير مخالف لسنته كما فعل عمر - رضي الله عنه - في جمعه للناس على إمام واحد في صلاة التراويح، بل إن هذا العمل من سنته - صلى الله عليه وسلم - لأنه عمل بمقتضاها.

الحالة الثالثة: أن يترك - صلى الله عليه وسلم - الفعل مع وجود المقتضي له وانتفاء الموانع فيكون تركه - صلى الله عليه وسلم - والحالة كذلك– سنة، كتركه - صلى الله عليه وسلم - الأذان لصلاة العيدين.

وهذا القسم من سنته - صلى الله عليه وسلم - وهو السنة التركية أصل عظيم وقاعدة جليلة، به تحفظ أحكام الشريعة ويوصد به باب الابتداع في الدين.

قال ابن القيم: "فإن تركه - صلى الله عليه وسلم - سنة كما أن فعله سنة، فإذا استحببنا فعل ما تركه، كان نظير استحبابنا ترك ما فعله، ولا فرق.

فإن قيل: من أين لكم أنه لم يفعله، وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم؟ فهذا سؤال بعيدًا جدًا عن معرفة هديه وسنته وما كان عليه، ولو صح هذا السؤال وقبل لاستحب لنا مستحب الأذان للتراويح، وقال: من أين لكم أنه لم ينقل؟

واستحب لنا مستحب آخر الغسل لكل صلاة، وقال: من أين لكم أنه لم ينقل؟ ...... وانفتح باب البدعة، وقال كل من دعا إلى بدعة: من أين لكم أن هذا لم ينقل؟ " (٢) .

وتجدر الإشارة إلى أن سنة الترك مبنية على مقدمات ثابتة راسخة (٣) :


(١) بشرط ألا يكون وجود هذا المقتضي إنما حصل بتفريط الناس كما تقدم بيانه قريبًا.
(٢) "إعلام الموقعين" (٢/٣٩٠، ٣٩١) .
(٣) انظر في هذه المقدمات: "إعلام الموقعين" (٤/٣٧٥ – ٣٧٧) ، و"معارج القبول" (٢/٣٤٦ – ٣٥٧) .

<<  <   >  >>