للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: ١١٥] .

وجه الاستدلال بهذه الآية أن الله توعد من اتبع غير سبيل المؤمنين فدل على أنه حرام؛ فيكون اتباع سبيل المؤمنين واجبًا، إذ ليس هناك قسم ثالث بين اتباع سبيل المؤمنين واتباع غير سبيل المؤمنين (١) .

ولا يصح في هذه الآية أن يكون الذم لاحقًا لمشاقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقط، أو لاتباع غير سبيل المؤمنين فقط، فإن ذلك باطل قطعًا؛ لئلا يكون ذكر الآخر لا فائدة فيه.

وكذلك لا يصح أن يكون الذم لاحقًا للأمرين إذا اجتمعا فقط؛ لأن مشاقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - موجبة للوعيد قطعًا كما ثبت في غير موضع، كقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: ١٣] .

فلم يبق إلا قسمان:

أحدهما: أن الذم لاحق لكل من الأمرين وإن انفرد عن الآخر.

الثاني: أن الذم لاحق لكل من الأمرين لكونه مستلزمًا للآخر (٢) .

قال ابن تيمية: "ولحوق الذم بكل منهما وإن انفرد عن الآخر لا تدل عليه الآية؛ فإن الوعيد فيها إنما هو على المجموع.

بقي القسم الآخر وهو أن كلاً من الوصفين يقتضي الوعيد لأنه مستلزم للآخر، كما يقال مثل ذلك في معصية الله والرسول، ومخالفة القرآن والإسلام.

فيقال: من خالف القرآن والإسلام أو من خرج عن القرآن والإسلام فهو من أهل النار، ومثله قوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بالله وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا} [النساء: ١٣٦] ، فإن الكفر بكل من هذه الأصول يستلزم الكفر بغيره؛ فمن كفر بالله كفر بالجميع، ومن كفر بالملائكة كفر بالكتب والرسل فكان كافرًا بالله؛ إذ كذب رسله وكتبه، وكذلك إذا كفر باليوم الآخر كذب الكتب والرسل فكان كافرًا....


(١) انظر: "أحكام القرآن" للشافعي (٣٩) ، و"الفقيه والمتفقه" (١/١٥٥، ١٥٦) ، و"روضة الناظر" (١/٣٣٥، ٣٣٦) .
(٢) انظر: "مجموع الفتاوى" (١٩/١٧٨، ١٧٩، ١٩٢، ١٩٣) .

<<  <   >  >>