للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيم: " وإذا تدبرت الشريعة وجدتها قد أتت بسد الذرائع إلى المحرمات، وذلك عكس باب الحيل الموصلة إليها.

فالحيل وسائل وأبواب إلى المحرمات، وسد الذرائع عكس ذلك، فبين البابين أعظم التناقض.

والشارع حرم الذرائع وإن لم يقصد بها المحرم لإفضائها إليه، فكيف إذا قصد بها المحرم نفسه" (١) ؛ يعني: بذلك الحيل.

مثال سد الذرائع: نهي الله عن سب آلهة المشركين مع كون ذلك أمرًا واجبًا من مقتضيات الإيمان بألوهيته سبحانه، وذلك لكون هذا السب ذريعة إلى أن يسبوا الله سبحانه وتعالى عدوًا وكفرًا على وجه المقابلة (٢) .

قال تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٨] .

ومثال الحيل المحرمة التي يتوصل بها إلى فعل الحرام: فعل بني إسرائيل لما حرم عليهم صيد الحيتان يوم السبت، إذ نصبوا البرك والحبائل للحيتان قبل يوم السبت، فلما جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة نشبت بتلك الحبائل، فلما انقضى السبت أخذوها، فمسخهم إلى صورة القردة (٣) .

قال تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: ١٦٣] .

وعلاقة سد الذرائع وإبطال الحيل بالمصلحة يجليه ابن القيم بقوله: "وبالجملة فالمحرمات قسمان: مفاسد، وذرائع موصلة إليها مطلوبة الإعدام، كما أن المفاسد مطلوبة الإعدام.

والقربات نوعان: مصالح للعباد، وذرائع موصلة إليها.


(١) "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" (١/٣٦١) .
(٢) انظر المصدر السابق.
(٣) انظر: "إعلام الموقعين" (٣/١٦٢) ، و"تفسير ابن كثير" (١/١٠٩) .

<<  <   >  >>