للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه قديمًا وحديثًا، وفيه النزاع في مذهب أحمد وغيره....» (١) .

وقد اختار رحمه الله أن تصرفات السكران لا تصح (٢) وذكر لذلك أدلة (٣) منها:

أ- أن عبادته كالصلاة لا تصح بالنص والإجماع، فإن الله نهى عن قرب الصلاة مع السكر حتى يعلم ما يقوله، واتفق الناس على هذا، فكل من بطلت عبادتُه لعدم عقله فبطلان عقوده أولى وأحرى، كالنائم والمجنون.

ب- أن جميع الأقوال والعقود مشروطة بوجود التمييز والعقل، فمن لا تمييز له ولا عقل ليس لكلامه في الشارع اعتبار أصلاً، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (٤) . فإذا كان القلب قد زال عقله الذي به يتكلم ويتصرف فكيف يجوز أن يجعل له أمر أو نهي أو إثبات ملك أو إزالته؟

وهذا معلوم بالعقل مع تقرير الشارع له.

جـ- أن كون السكران معاقبًا أو غير معاقب ليس له تعلق بصحة عقوده وفسادها؛ فإن العقود ليست من باب العبادات التي يثاب عليها، ولا الجنايات التي يعاقب عليها، بل هي من التصرفات التي يشترك فيها البر والفاجر والمؤمن والكافر، وهي من لوازم وجود الخلق؛ فإن العهود والوفاء بها أمر لا تتم مصلحة الناس إلا به وإنما تصدر عن العقل، فمن لم يكن له عقل ولا تمييز لم يكن قد عاهد ولا حلف ولا باع ولا نكح ولا طلق ولا أعتق.


(١) "الفتاوى الكبرى" (٤/٢٠٢) . وانظر: "المغني" (١٠/٣٤٦ – ٣٤٨) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (٣٧ – ٣٩) ، و"شرح الكوكب المنير" (١/٥٠٥ – ٥٠٨) .
(٢) وقد بوب لذلك الإمام البخاري في صحيحه فقال: "باب الطلاق في الإغلاق والكره، والسكران والمجنون وأمرهما، والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى» (٩/٣٨٨) .
واختار ابن القيم ذلك فقال: "والصحيح أنه لا عبرة بأقواله من طلاق ولا عتاق ولا بيع ولا هبة ولا وقف ولا إسلام ولا ردة ولا إقرار، لبضعة عشر دليلاً ليس هذا موضع ذكرها". "إعلام الموقعين" (٤) .
(٣) انظر: "مجموع الفتاوى" (٣٣/١٠٦ – ١٠٨ و١٤/١١٥ – ١١٨) .
(٤) رواه البخاري (١/١٢٦) برقم (٥٢) ، ومسلم (١١/٢٦) وستأتي قطعة من هذا الحديث في (ص ٤٩٣) من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>