للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك وفق الضوابط الآتية (١) :

١- أن يكون مع هذا المجتهد المخطئ مقدارٌ ما من الإيمان بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. أما من لم يؤمن أصلاً فهو كافر، لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد، لظهور أدلة الرسالة وأعلام النبوة.

ولأن العذر بالخطأ حكم شرعي خاص بهذه الأمة كما جاءت النصوص بذلك (٢) .

فمن كان مؤمنًا بالله جُملة وثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة.

٢- أن يكون ذا نية صادقة في إرادة الحق والوصول إلى الصواب. أما أهل الجدال والمراء، وأصحاب الأغراض السيئة والمقاصد الخبيثة، فلكل منهم ما نوى، والحكم في ذلك للظاهر، والله يتولى السرائر.

٣- أن يبذل المجتهد وسعه، ويستفرغ طاقته، ويتقي الله ما استطاع، ثم إن أخطأ لعدم بلوغ الحجة، أو لوجود شبهة، أو لأجل تأويل سائغ، فهو معذور ما لم يفرط. أما إن فرط في شيء من ذلك، فلم تبلغه الحجة بسبب تقصيره، أو بلغته لكنه أعرض عنها لشبهة يعلم فسادها، أو تأول الدليل تأويلاً لا يسوغ، فإنه والحالة كذلك لا يُعذر، وعليه من الإثم بقدر تفريطه.

ومن الأدلة على ما ذهب إليه سلف هذه الأمة ما يأتي:

١- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله، فقال لأهله: إذا أنا مت فخذوني، فذروني في البحر في يوم صائف. ففعلوا به. فجمعه الله، ثم قال: ما حملك على الذي صنعت؟ قال: ما حملني عليه إلا مخافتك، فغفر له» (٣) .

قال ابن تيمية: «فهذا الرجل ظن أن الله لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق، فظن أنه لا يعيده إذا صار كذلك.

وكل واحدٍ من إنكار قدرة الله تعالى، وإنكار معاد الأبدان وإن تفرقت،


(١) انظر: "مجموع الفتاوى" (١٢/٤٩٣، ٢٠/٢٥٦) ، و"طريق الهجرتين" (٤١١ – ٤١٤) .
(٢) انظر (٣٤٧) وما بعدها من هذا الكتاب.
(٣) رواه البخاري (١١/٣١٢) برقم (٦٤٨٠) .

<<  <   >  >>